الثلاثاء، 12 أبريل 2016

المرحلة الثانية: التطور نحو الصياغة الفنية و المرحلة الثالثة: النضج والتنوع والازدهار

اذا كانت المرحلة الأولى لم تشهد أي تطور فني، وظلت أسيرة المحاولات المتعثرة ولم تصدر وا ،ً ً ملحوظا خلالها أي مجموعة قصصية،فإن المرحلة الثانية (ما بعد الحرب العالمية الثانية) قد شهدت تطورا وتبدت ملامح القصة القصيرة الفنية واضحة لدى كثير من كتاب هذه المرحلة، وخرجت من إسار النشر في الصحافة فقط إلى دائرة النشر المتخصص عبر مجموعات قصصية غامر أصحابها بنشرها في وقت كانت فيه الطباعة شحيحة في الداخل، ومكلفة في الخارج. ويرجع عدد من الباحثين تطور القصة القصيرة في هذه المرحلة إلى مجموعة من العوامل يأتي ً لذلك فقادت في مقدمتها الاستقرار السياسي، والانتعاش الاقتصادي، والتغيرات الاجتماعية التي حدثت تبعا البلاد والمجتمع نحو النمو الحضاري، إضافة إلى انتشار التعليم، وعودة المبتعثين للدراسة في الخارج إلى بلادهم مزودين بالعلم والمعرفة، والرغبة الجامحة في تطوير بلادهم، والأهم من كل ذلك تطور الصحافة ً ثابتة للقصة القصيرة، وشجعت وازدهارها واهتمامها الخاص بالقصة القصيرة إذ خصصت معظمها أبوابا على كتابتها ونشرها بطرائق متعددة ومتنوعة كالمسابقات ، أو وضع النهايات الممكنة لقصص تنشر وتبقى بحاجة إلى إكمال، ونحو ذلك من الوسائل المشجعة على كتابة القصة القصيرة ، إضافة إلى نشر المقالات .  النقدية الموجهة إلى القصة القصيرة، وترجمة نماذج من القصص العالمية ولعل أبرز ما يميز هذه المرحلة صدور مجموعات قصصية مطبوعة على الرغم من صعوبة ، وأول مجموعة قصصية صدرت هي مجموعة (أريد أن أرى االله) لأحمد عبد  الطباعة في ذلك الوقت الغفور عطار، عام ( 1366هـ / 1946م) ثم تلتها مجموعة (مع الشيطان) لإبراهيم هاشم فلالي، عام (1371هـ /1951م) ثم مجموعة (من بلادي) لغالب حمزة أبو الفرج عام( 1373هـ /1953م) ثم مجموعة (أنات الساقية) لحسن عبد االله القرشي عام ( 1376هـ 1955م) ثم مجموعة (الحنينة) و(الأذن تعشق) لأمين سالم الرويحي عام( 1378هـ ،1959م)، ثم مجموعة (فاطمة وقصص أخرى) لعبد السلام هاشم حافظ عام(1380هـ1960م)ثم مجموعة (شبح من فلسطين) لسعد البواردي، عام (1381هـ / 1961م)، ثم مجموعة (أمهاتنا والنضال) لإبراهيم الناصر، عام ( 1382هـ / 1962م) ثم مجموعة (عرق وطين) لعبد الرحمن الشاعر عام(1383هـ /1963م) ثم مجموعة (خالتي كدرجان) لأحمد السباعي (د.ت)، ومجموعة (حياة جائعة) لعبد االله الجفري (د.ت) لكن على الرغم من هذا العدد من المجموعات القصصية التي صدرت وعلى الرغم من العدد الكبير من القصص القصير .
التي شرت في تلك الفترة والتي بلغت المئات، وطرقت مختلف المضامين مبشرة بتطور القصة نحو ً من النماذج التي تستدر الدموع وتدغدغ العواطف كما في  الصياغة الفنية فإن هذه الفترة لم تسلم أيضا مجموعة (أنات الساقية) للشاعر حسن القرشي، أو تلك التي تسعى إلى التسلية والإثارة كما هو الحال في مجموعتي أمين سالم والرويحي (الحنينة) و (الأذن تعشق). ً ومع ذلك فإن ظهور عدد من الكتاب المهمين في هذه المرحلة، الذين فهموا فن القصة فهما ٕ براهيم الناصر، ومحمود عيسى المشهدي، وحمزة بوقري وعبد الرحمن ً أمثال: أحمد الساعي وا صحيحا الشاعر، يجعل هذه المرحلة تمثل البداية الحقيقية لفن القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية؛ وهذا ً ما جعل الدكتور منصور الحازمي يقول بأن ظهور هذا العدد القليل من الكتاب الذين فهموا القصة فهما ً يجعلنا نقول بأننا كنا حينذاك على أبواب عهد جديد وهو الأمر الذي دفع الدكتور الشنطي  صحيحا ٕذا كان سحمي  إلى أن يسمى هذه المرحلة بمرحلة الريادة الفنية، ويسمي هؤلاء الكتاب بالرواد . وا الهاجري لم يشر إلى أن السباعي من رواد القصة القصيرة بمفهومها الفني، فإن الدكتور الحازمي وكذلك الدكتور الشنطي يريان بأن السباعي رائد الاتجاه الواقعي في القصة السعودية وأنه بحسه المرهف هو الذي . مهد الطريق أمام ظهور القصة الفنية بمفهومها الدقيق ٕ براهيم الناصر، ومحمود المشهدي، وعبد الرحمن ليستفيد هؤلاء الكتاب الأربعة (حمزة بوقري ، وا الشاعر) من هذا التمهيد قافزين بالقصة القصيرة في السعودية نحو الصياغة الفنية، متأثرين بأقرانهم في العالم العربي، وقراءاتهم في الآداب العالمية، واحتكاكهم المباشر بالحركة الأدبية الموارة في بعض البلاد العربية المجاورة، فحمزة بوقري عايش ازدهار القصة القصيرة في مصر أثناء دراسته في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وأعد أطروحته للماجستير عن رائد من رواد القصة القصيرة في العالم العربي وهو محمود ً من حياته ٕ براهيم الناصر عاش شطرا ً كثيرة إلى العربية لعدد من الكتاب العالميين، وا تيمور، وترجم نصوصا في العراق، وتأثر بالأجواء الثقافية هناك، ومحمود المشهدي درس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وقضى ً ً من حياته في أمريكا، وعبد الرحمن الشاعر واكب عن طريق القراءة تطور القصة القصيرة عربيا شطرا ً .  وعالميا لقد تركت هذه المؤثرات بصمتها في نفوس هؤلاء الكتاب، وانعكست على إنتاجهم القصصي، فكان ً ً واضحا ً اشتركوا في اهتمامهم بالجانب الفني اهتماما لكل واحد منهم خصائصه المميزة، ولكنهم جميعا وسعوا إلى تحقيق ((الالتحام بين الشكل والمضمون، فلم يعد المضمون فكرة مسبقة مفروضة على القصة، ولكنهم اقتربوا من النجاح مرة، وتعثروا مرات، حتى بدا مع تقدم الزمن، وتكرار التجارب أن الأمر قد بدأ يستقيم لهم في أغلب القصص التي شكلت قبل نهاية هذه المرحلة أرضية صلبة للقصة القصيرة في المملكة، وأصلت لهذا الفن الأدبي ليحتل مكانته بين بقية الفنون الأدبية)) 
 ويرى الدكتور الشنطي أن أهم ما أنجزه هؤلاء الرواد:(( توفير الوحدة العضوية النامية في القصة والتخلص من مظاهر الترهل الإنشائي والحدثي، والتخفف من كثرة الشخصيات، والعمل على التكثيف والتركيز، والاتجاه إلى إقامة التوازن بين عالم الشخصية الخارجي وعالمها الداخلي، واختراقهم السطح الظاهري للحدث الواقعي، مع محاولة النفاذ إلى جوهره، ومحاولة الوصول إلى لحظة التنوير للإيحاء بوحدة .  الأثر والانطباع الذي هو الهدف الرئيس للقصة القصيرة)) وقد كان لكل واحد منهم تعامله الخاص مع موضوعاته وشخصياته، فإبراهيم الناصر كما يقول يعد من أبرز هؤلاء الرواد من ناحيتين: الأولى: من حيث الكم والاستمرارية، إذ أصدر  الدكتور الشنطي ثلاث مجموعات قصصية تنتمي إلى هذه المرحلة وهي: (أمهاتنا والنضال) و(أرض بلا مطر) و(غدير النبات) ثم أصدر فيما بعد مجموعة رابعة هي (عيون القطط) والثانية: من حيث الالتزام الفني والواقعي إلى حد كبير، إذ استطاع أن يصور مرحلة التطور والانعطاف من حياة البادية إلى حياة المدنية، وما رافق ذلك من قلق وتوتر في نفوس شخصياته. أما عبد الرحمن الشاعر فقد أصدر مجموعة واحدة هي (عرق وطين) وقد تميز باختيار نماذجه من المأزومين والفقراء، واستغلاله للحكاية الشعبية، وتصويره للحظات الصدمة التي انتابت اللقاء بين أما محمود عيسى المشهدي فقد أصدر مجموعة  عالمي القرية والمدينة، وتصويره لصراع الأجيال ً بالقضايا التي يعالجها أكثر من انشغاله بالوصف ومن أهم واحدة هي: (الحب لا يكفي) وقد بدا منشغلا القضايا التي عالجها قضية إرغام الفتاة على الزواج واضطهاد الزوج لزوجته، وتحول الزواج إلى سلعة ، .  وغيرها من القضايا المتعلقة بالمرأة أما حمزة بوقري فعلى الرغم من ترجمته لعدد من القصص العالمية ، ونشره لعدد من القصص القصيرة التي كتبها في الصحف والمجلات، فإنه لم يجمع ما نشر في مجموعة قصصية ، وبقيت نصوصه . حبيسة الصحف والمجلات، ولكنها شاهدة على ما حققه في مسيرة القصة القصيرة من تطور ونضج وقد تميز البوقري عن الشاعر والناصر والمشهدي بأنه كان أكثر صرامة في تطبيق التقنيات ً من دراسته الأكاديمية لهذا الفن في حين تميزوا عنه بالتعبير بحرية أكبر الفنية للقصة القصيرة مستفيدا ً بالسمات الفنية الرئيسية للقصة ً عن الالتزام بالنظريات النقدية للقصة القصيرة، ولكنهم التزموا جميعا بعيدا . القصيرة كل حسب طريقته ً قد ٕذا كانت هذه المرحلة قد حملت هذا التطور الفني الذي لمسناه عند هؤلاء الرواد فإنها أيضا وا ً في المضامين، فكان التحول الاجتماعي، والصدمة الناجمة عن الانتقال من البداوة إلى حملت تنوعا.
جبارها على الزواج، والتعامل معها المدنية من أهم الموضوعات التي تناولوها، وكانت مشكلات المرأة وا كسلعة ، واضطهادها من القضايا المهمة التي طرحوها ، وكذلك طرحت قضية الصراع بين الأجيال وبعض القضايا الوطنية العربية. كقضية فلسطين؛ مع تطور واضح في معالجة هذه المضامين بصورة فنية ٕ نما تسعى للمواءمة بينهما. لا تضحي بالشكل لمصلحة المضمون، وا ٕ نما بقي أن أشير إلى أن أوائل كتاب هذه المرحلة لم يكونوا مختصين بكتابة القصة القصيرة وا اقتحموا غمار هذا الفن قادمين من تجارب أخرى أمثال حسن القرشي وسعد البواردي، وهما شاعران، ٕ براهيم هاشم فلالي الذي كان أقرب إلى النقد، وغيرهم، أما الكتاب الرواد الذين اتجهوا بالقصة القصيرة وا ً وكتبها نحو الفنية، فقد كانوا من المختصين في هذا الفن، فحمزة بوقري درس القصة القصيرة أكاديميا ً ما يقرب من ٕ براهيم الناصر كتب القصة القصيرة والرواية وواصل مسيرته القصصية منتجا وكتب الرواية، وا ً، ومحمود المشهدي وعبد الرحمن الشاعر كتبا القصة القصيرة ويمكن أن نضيف ً قصصيا أربعة عشر عملا إليهما غالب حمزة أبو الفرج، وعبد االله الجفري اللذين نشرا أول إنتاجهما القصصي في هذه الفترة وواصلا ً بعد ذلك نشر أعمالها منتجين عدداً كبيراً من الأعمال القصصية القصيرة والرواية.

المرحلة الثالثة: النضج والتنوع والازدهار
ما إن أرسى الرواد قواعد القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية وبدأوا يحققون لها درجة عالية من النضج الفني – بعد رحلة طويلة امتدت من الخمسينات الميلادية حتى منتصف السبعينات – ٕ نتاج من لحق بهم من الكتاب والكاتبات أمثال مرسخين الاتجاه الواقعي الكلاسيكي من خلال إنتاجهم، وا علوي الصافي، وخليل الفزيع، وعبد االله باقازي، ومحمد الشقحاء، ونجاة خياط، وخيرية السقاف، وغيرهم، ً بين الفنون الأدبية الأخرى، حتى فاجأنا مجموعة من الكتاب وأخذت القصة القصيرة تتبوأ مقعدا – ً متميزا الذين نشروا مجموعاتهم القصصية في أواخر السبعينات – بقفزة كبيرة نقلت القصة القصيرة من الواقعية التقليدية الهادئة إلى آفاق الحداثة والتجريب بصورة غريبة ومدهشة ومفاجئة، وبادئين بذلك مرحلة جديدة في رحلة القصة القصيرة تبدأ من أواخر السبعينات وتحديدا 1977م) العام الذي صدرت فيه مجموعة ً من عام ( ً (الخبز والصمت) لمحمد علوان، وتمتد إلى وقتنا الحاضر ولكني سأتوقف عند عام ( 2000م) ملتزما بالحدود الزمنية للبحث. 
والمتأمل في هذه المرحلة الجديدة يستطيع أن يتبين ثلاثة أجيال متداخلة: الجيل الأول: جيل أواخر السبعينات الميلادية – الذين أحدثوا هذه النقلة – والجيل الثاني: جيل الثمانينات الميلادية – وتمثل مرحلة الثمانينات الميلادية العصر الذهبي للقصة القصيرة في السعودية – والجيل الثالث: هو جيل التسعينات ً من وهج العصر الذهبي للقصة القصيرة في السعودية. الميلادية الذي لحق كثير
هذه الأجيال الثلاثة – ولنقل المحطات الثلاث – تندرج تحت مظلة مرحلة واحدة من مراحل تطور القصة القصيرة في السعودية ، وهي المرحلة الثالثة الممتدة من عام ( 1977م) حتى وقتنا الحاضر ، ويمكن أن نسميها (مرحلة النضج والازدهار والتنوع) إنها مرحلة حافلة بالتداخل والتناقض والإغراب والدهشة، ففيها يتجاور التقليديون مع الحداثيين، وفيها عاد التجريبيون الذين بدأوا كذلك إلى الواقعية، وقفز بعض الذين بدأوا بالواقعية إلى التجريبية والرمزية، وفيها توقف من توقف عند مجموعته الأولى واستمر من ً في فضاءات الأجيال الثلاثة ، وفيها حققت القصة السعودية القصيرة حضورها العربي استمر محلقا المميز، وحققت النضج والتنوع والغزارة في الإنتاج حتى إننا لنفاخر اليوم بأن عدد المجموعات القصصية يتجاوز ستمائة مجموعة. ولكي نقف على بعض خبايا هذه المرحلة، ونتعرف على أبرز خصائصها: لا بد من الإطلالة على محطاتها الثلاث ، وأجيالها الثلاثة لنعرف خصائص كل جيل، وأبرز كتابه، وتداخله مع الأجيال الأخرى.
 1ـ جيل أواخر السبعينات: يمثل جيل أواخر السبعينات: (محمد علوان، وحسين علي حسين، وجار االله الحميد، وعبد العزيز المشري) نقطة تحول كبرى في مسيرة القصة القصيرة في السعودية، ففي عام ( 1977م) صدرت مجموعة ً (الخبز والصمت) لمحمد علوان، التي قدم لها أحد كبار القاصين العرب وهو (محمود تيمور)، مبديا إعجابه الكبير بها،إذ رآها ممثلة للقصة الحديثة خير تمثيل بتمردها على الأطر التقليدية للقصة القصيرة، وكسرها للتسلسل الزمني الرتيب، وقلة اهتمامها بالحكاية وتركيزها على الشعور، والنظر إلى الداخل لا إلى ً إلى المكان، وبما حملته الخارج ، وتغير نماذج البطولة فيها من الفرد إلى المجموع، ومن الإنسان أحيانا من غربة وتشاؤم وقلق وحيرة، وقتامة وسوداوية تعكس روح العصر، وتشير إلى تأثر واضح بالكتابات ً ً وعالميا .  الحديثة السائدة إذ ذاك عربيا ً في الساحة الأدبية المحلية التي لم تكد تألف القصة القصيرة ً هائلا لقد أحدثت هذه المجموعة دويا المحققة لبنيتها الفنية حتى فاجأها (محمد علوان) بمجموعته الجديدة (الخبز والصمت) التي سعت إلى كسر ً، تتعدد داخله الأصوات، وتتناثر البنية التقليدية – ً فانتازيا وأسطوريا ً – فإذا به يشكل عالما ً ومضمونيا فنيا فيه الأحداث، ويتشظى الزمن، ويغلفه التداعي الشعري، ويقدم شخصيات قلقة متشائمة تثقلها الغربة . الروحية، ويحاصرها اليأس والإحباط وتبعه (حسين علي حسين) مصدرا 1978م)، التي جاءت مثقلة ً مجموعته الأولى: (الرحيل عام ً بالحزن والتشاؤم، يعاني أبطالها غربة داخلية، ويبدون مهزومين مأزومين مقهورين، غريبين، يشبهون أيضا إلى حد كبير بعض شخصيات (كامي وكافكا)، ولذلك فإن أغلب شخصياته إما منكفئة على ذاتها تعبر عن معاناتها عبر تيار الوعي – من خلال الحديث النفسي، أو المناجاة، أو الحوار الداخلي – ٕ واما حيادية  لا مبالية تشعر بتفاهة الحياة ولا جدواها .
 مجموعته الأولى (موت على الماء) حاملة مشاعر الغربة ثم تبعهما (عبد العزيز المشري) مصدرا والانكسار والملل والإحساس برتابة الحياة، وموغلة في التجريد، والتشكيل اللغوي الشعري، الذي كساها ً – وجعلها أقرب إلى اللوحات السريالية التي يحار الناظر إليها، ولا يستطيع ً للمعنى أحيانا ً – مفقدا غموضا .  فهمها في أغلب الأحيان ً جار االله الحميد مجموعته الأولى: (أحزان عشبة بحرية) وفي العام نفسه ( 1979م) أصدر أيضا فجاءت كسابقاتها في لغتها الشعرية المكثفة، وتشكيلها التجريدي الرمزي، وغموضها المنبئ عن إحساس .  عميق بالغربة تمثل في رحيل الشخصيات تارة، أو في عزلتها الموحشة تارة أخرى ً فالتمرد على الأطر التقليدية، وكسر النمطية، وتشظي الزمن، والتداعي الحر، والغوص في إذا أعماق الشخصية، وفقدان الهوية، والإحساس بالضياع، والتمزق والحيرة والقلق والغربة هي أهم ما يميز نتاج هذا الجيل ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: من أين جاء هذا الجيل بكل هذا الحزن والتشاؤم والقلق والتمزق، وهم ظهروا في مرحلة الطفرة المادية التي أحدثت أكبر نقلة حضارية في بلادنا، كيف حدث هذا الأمر في هذه الفترة القصيرة، وبهذه الصورة المفاجئة؟ كيف انتقلت القصة القصيرة في السعودية من طورها ً ٍ حتى وصلته إلى طور جديد ينقض كل ما سبق ويتمرد على كل ما البنائي التقليدي الذي تعبت طويلا بني؟ لقد حاول النقاد الإجابة على هذا السؤال، وفك طلاسم هذه الحيرة، مشيرين إلى أن نتاج هذا الجيل جزء من نتاج أقرانهم في العالم العربي، وهو انعكاس لحالة التمزق والألم والهزيمة التي يعيشها العرب منذ ُ نكسة ( 1967 من تلك التيارات والمذاهب الأجنبية: (الوجودية والسريالية والعبثية ◌ُ م)، كما أنه جزء .  والتكعيبية والتجريبية) التي تأثر بها أدباء العالم العربي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى وقتنا الحالي وربما تشير محاولة تفسير هذه الظاهرة لدى جيل السبعينات إلى تأثرهم بما حولهم من تيارات أدبية، وكتابات حداثية، وتفاعلهم معها، الأمر الذي أدى إلى انعكاسها في نتاجهم. ومع ذلك فقد بقي التساؤل ً ٍ ومنذ وقت مبكر، يقول الدكتور(منصور الحازمي):(فإذا ما ◌ُ ً حتى لدى الذين أجابوا عليه سابقا قائما تساءلنا بعد ذلك عن هذه (الحداثة)، وهي مظهر من مظاهر الرفض والاغتراب والهزيمة، كيف انتقلت إلى المملكة؟ ولماذا؟ وكيف نوفق بين اليقين وعدم اليقين، بين العقل واللاعقل، بين المنطق ً. لقد صادف ورود الحداثة ً شافيا والعبث، بين المحافظة والتمرد، بين البناء والهدم؟ لم نجد جوابا َ في كل تاريخها الطويل، من حيث لدينا ـ أوائل السبعينات ـ بداية فترة مزدهرة، ربما لم تشهد لها البلاد مثيلا النمو الاقتصادي والتوسع العمراني والازدهار التجاري، وزيادة الدخل ، والرفاه الذي عم الكثيرين إلى حد ً في أدب الامتلاء، والترف، فكيف يتوافق ذلك كله مع نغمة الرفض وحالة التشاؤم التي نواجهها دائما الشبان (الحداثيين)؟ لقد طرحت الكتورة فاطمة موسى مرة هذا التساؤل وهي تتابع هذه الحالة في القصة ً القصيرة السعودية: (هل يتوافق الكاتب – فحسب – من هذا المجتمع لا مع تقليد أدبي أم أنه يصور جانبا أستطيع أنا بوصفي غريبة أن أراه؟) وتتساءل متعجبة: (ولكن أين هذه المدينة النظيفة الحديثة والبنايات الشاهقة والأسواق الزاخرة بالسلع، والناس الحسنو التغذية، الحسنو المظهر الذين أراهم حولي دائما يشكلون مادة ملائمة للأدب؟) وتعيدنا الدكتورة فاطمة موسى إلى نفس السؤال السابق، هل الحداثة مجرد تقليد أدبي أم أنها تعبير  حقيقي عن واقع معاش" ومهما يكن الأمر، ومهما تكن أسباب هذه الروح المثقلة بالغربة، القلقة المتشظية المسيطرة على ً جديدة وأن ً – فإنهم استطاعوا أن يفتحوا للقصة السعودية القصيرة آفاقا ً ومضمونيا نتاج هذا الجيل – فنيا يوصلوا صوتها إلى العالم العربي الذي بدأ في الاعتراف بأدبنا المحلي من خلال هذا الجيل.
جيل الثمانينات: لم تكن الثمانينات بعيدة عن أواخر السبعينات لذلك فإن أغلب الكتاب الذين ظهروا في السبعينات استمروا في الكتابة خلال الثمانينات وأصدروا مجموعات قصصية أخرى خلال هذه الفترة ، فمحمد علوان أصدر مجموعته الثانية ،( الحكاية تبدأ هكذا) في الثمانينات ، وكذلك نشر حسين على حسين مجموعتين أخريين هما (ترنيمة الرجل المطارد) ، و(طابور الميا ه الحديدية ) خلال هذه الفترة الزمنية ، وأصدر جار االله الحميد مجموعة أخرى هي ( وجوه كثيرة أولها مريم ) ، وأصدر عبد العزيز مشري ثلاث مجموعات في الثمانينات هي :(أسفار السروي) و(بوح السنابل) و (الزهور تبحث عن آنية) ، وأصدر إبراهيم الناصر مجموعة: (غدير البنات) وأصدر عبد االله الجفري مجموعة: (الظمأ) وأصدر غالب حمزة أبو الفرج ثلاث ً من الكتاب الذين نشروا نتاجهم القصصي في الصحافة أواخر مجموعات قصصية، وكذلك فإن عددا السبعينات أصدروا أوائل مجموعاتهم القصصية في الثمانينات أمثال : عبد االله السالمي ، وعبد االله باقازي ، وعلوي الصافي ، وسباعي عثمان ، ومحمد الشقحاء ، ومحمد علي قدس ، وحجاب الحازمي ، وعاشق الهذال ، ولطيفة السالم ، وخيرية السقاف ، وعلى حسون ، ومحمد صادق دياب ، وعبداالله باخشوين ، وظهرت في مرحلة الثمانينات كثير من الأسماء الجديدة الذين نشروا نتاجهم بداية في الصحف والمجلات ، ثم جمعوها في مجموعات قصصية صدرت خلال الثمانينات ، ومنهم : محمد الشقحاء، حسن النعمي، وعبده خال، وخالد اليوسف، وخالد باطرفي، ورقية الشبيب، وصالح الأشقر، وسعد الدوسري، وجبير الملحيان، وأحمد الدويحي، وفهد العتيق،وعبد االله العتيق ، وعبدالعزيز الصقعبي ، وشريفه الشملان ، ومريم الغامدي ، وغيرهم. والمتأمل للقصة القصيرة خلال الثمانينات سيخرج بمجموعة من الملحوظات التي يمكن إجمالها في النقاط :  الآتية ً: غزارة الإنتاج ، إذ صبت ثلاثة أجيال إنتاجها خلال هذه الفترة وصحافة الثمانينات بكل ما  أولا حملته من نصوص ودراسات وحوارات ، ومراجعات للمجموعات الصادرة خير دليل على غزارة المنتج خلال الثمانينات ، إضافة إلى أن المجموعات القصصية التي صدرت خلال هذه الفترة أضعاف ما أنتج خلال المراحل السابقة كلها . - 13 - ً: تجاور الأجيال والاتجاهات ، وتنوع التجارب ، فالتجربة الحديثه التي أسسها علوان ورفاقه ثانيا أواخر السبعينات وجدت لها مناصرين ومنتجين خلال الثمانينات أمثال عبد االله السالمي وسباعي عثمان ، وعبد االله باخشوين ، وحسن النعمي ، وعبده خال ، وصالح الأشقر، وسعد الدوسري ، وأحمد الدويحي ، وجبير المليحان ، وفهد العتيق ، وغيرهم ، ممن ظهر في كتاباتهم الحرص على التجريب والسعي إلى تقديم تجربة قصصية حديثه ، ويمكن إجمال خصائص تجربتهم القصصية الحديثه ـ على مابينهم من تفاوت ـ في بعض النقاط : ٕ عادة صياغتها من خلال إسقاط الماضي على أ ـ الاتجاه إلى توظيف الأسطورة الشعبية ، وا الحاضر ـ بطرائق فنية جديدة ومتنوعة . ب ـ التأثر الواضح بالتيارات الحديثة ( كالسريالية والرمزية وغيرها ) من خلال مزج الواقعي بالفانتازي الذي يبتكره من خياله في اقتراب مما يسمى بالواقعية السحرية التي عرفت في أدب أمريكا اللاتينية. ج ـ الاعتماد على الرمز ، والتقنية السينمائية ، وممارسة التجريب وخوض غمارأكثر من شكل فني ، وهي خاصية مشتركة لديهم بل إن الواحد منهم ليجرب أكثر من شكل فني ، ويقدم أكثر من مدرسة في مجموعة واحدة . د ـ إهمال البنية التقليدية ، وتهميش عناصرها البنائية بسبب الحرص على شعرية اللغة باعتبارها ً من أهم عناصر التجربة الحديثة. عنصرا ً ٕ لى الحفاظ على البنية التقليدية للقصة ، فقد وجدت أيضا أما التجربة التقليدية الميالة إلى الواقعية وا خلال هذه المرحلة من يتبناها وينتج في ضوئها أمثال خليل الفزيع ، وعلوي الصافي وعبداالله باقازي ـ مع ميل لترميز الواقع ـ وعمر طاهر زيلع ، وحجاب الحازمي ، ومحمد علي قدس ،ومحمد صادق دياب ، وعاشق الهذال ، ولطيفة السالم ، وخيرية السقاف ، وعلي حسون، وغيرهم. ً: ظهور حركة نقدية موارة خلال الثمانينات، على صفحات الصحف والمجلات، ومن خلال ثالثا الإصدارات النقدية ، فقد كانت الصحف تحتفي بكل مجموعة قصصية جديدة تصدر، ويتسابق ً إلى الكتابة عنها فما كان يخلو الإعلاميون إلى الكتابة عنها واستعراضها ، ويتداعى النقاد أيضا ملحق ثقافي في صحافتنا أو مجلاتنا خلال تلك الفترة من دراسة نقدية أو عرض لمجموعة قصصية. ظهرت خلال الثمانينات أهم الدراسات النقدية عن القصة القصيرة ومنها:دراسة الدكتور: منصور الحازمي(فن القصة في الأدب السعودي الحديث) عام 1981م ، ودراسة الدكتور الأستاذ سمحي الهاجري : (القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية) عام ( 1987م) ، ودراسة الدكتور محمد صالح الشنطي: (القصة القصيرة المعاصرة في المملكة العربية السعودية ـ دراسة نقدية ) عام ( 1987م)هذا بالإضافة إلى - 14 - تسجيل عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات السعودية عن القصة القصة القصيرة في السعودية . ً من الكتاب الذين بدأ وا تجريبين مغامرين بين أواخر السبعينات وأوئل الثمانينات في ً: أن كثيرا رابعا مجموعاتهم الأولى عادوا إلى الواقعية في إصدار تهم التالية ، وتخلوا عن شعريتهم المفرطة ، ولغتهم الموغلة في التكثيف والرمزية ، وهذا ماحدث في مجموعة ( محمد علوان ) الثانية ( الحكاية تبدأ هكذا) ومجموعة جاراالله الحميد الثانية ( وجوه كثيره أولها مريم) ، ومجموعات عبدالعزيز مشري (أسفار السروي، وبوح السنابل، والزهور تبحث عن آنية) وكذلك فعل حسن النعمي في مجموعته الثانية والثالثة ، وكذلك فعل عبده خال في مجموعاته التالية لمجموعته الأولى . حتى إن تكرار هذا الفعل عند أكثر الكتاب يثير مجموعة من الأسئلة المهمة هو: لماذا بدأ أغلب كتابنا تجريبيين ثم عادوا واقعيين؟ أهو إعجابهم الشديد ـ من خلال قراءتهم ـ بالتجربة الحديثة وتأثرهم بها ً ظهرت معالمه واضحة في أعمالهم الأولى ، ثم تبين لهم بعد ذلك أن واقعهم يعج بقضايا ً كبيرا تأثرا ً واعتدالا ففعلوا ذلك دون أن يتخلوا عن جماليات القصة ومشكلات تحتاج إلى معالجة فنية أكثر قربا ً في الأعمال الأولى التي يحرص فيها وفنياتها ؟ أم هي الرغبة في إثبات الذات ،ولفت الأنظار، خصوصا ً بأدبيته وفنيته ، ولذلك حرص أغلب كتاب القصة الكاتب على إبراز قدراته الكتابية لينتزع من القارئ اعترافا ّوا في سبيل ذلك عناصر القص الأخرى ثم اكتشفوا بعد صدور أعمالهم الحديثة على شعرنة اللغة ، فغيب الأولى أن اللغة ليست هي العنصر الوحيد في القصة ، وأن هناك عناصر أخرى لا تقل أهمية عنها ، فعادوا للحفاظ على العناصر البنائية الأخرى ، راجعين إلى واقعهم وجمهورهم الذي فقد التواصل معهم في مجموعاتهم الأولى بسبب الغموض والضبابية التي كستها؟! أم هي الرغبة الجامحة في إثبات الانتماء إلى التيارات الحديثة ، ومحاربة القديم- فقط لأنه قديم ـ وهو أمر طبيعي يشعربه الكتاب في بداياتهم ، ثم لا يلبثون حتى يتنازلون عن هذا الشعور؟! ومهما تكن ً الأسباب فإن هذا الجيل قد أفاد من كل التيارات وانعكس ذلك على إنتاجهم خلال فترة الثمانينات نضجا .ً ً وازدهارا وتنوعا 3ـ جيل التسعينات : لا يختلف جيل التسعينات كثيرا عن جيل الثمانينات ، فكثير من الذين صدرت مجموعاتهم الأولى في التسعينات بدأوا أصلا في نشر قصصهم في الصحافة خلال الثمانينات أمثال : أحمد يوسف ، ومحمود تراوري ، وحسن حجاب ، وعبداالله التعزي ، وفهد المصبح ، وناصر الجاسم ، وعبدالحفيظ الشمري وعبداالله السفر ، وظافرالجبيري ، وبدرية البشر ، وأميمة الخميس ، ونورة الغامدي ، ومحمد منقري ، وغيرهم ، لذلك فهم امتداد لجيل الثمانينات بل هم جزء من ذلك الجيل فعبده خال أصدر بعد مجموعة الأولى ثلاث مجموعات أخرى ، وكذلك يوسف المحميد ، وحسن النعمي ، وعبدالعزيز الصقعبي ، وفهد - 15 - العتيق ، وفهد المصبح ورقية الشبيب ، وشريفة الشملان وغيرهم ، ولأن جيل التسعينات امتداد لجيل الثمانينات فإن ماقلناه عنهم يمكن أن ينطبق على جيل التسعينات الذين استمروا في مواصلة إنتاجهم ونشر معظمهم أكثر من مجموعة قصصية ، ومازلوا يواصلون إنتاجهم حتى الأن. وداخل أعمال هذا الجيل ً ، فنجد التجربة الحديثة إلى جوار التجربة التقليدية وتتجاور المذاهب الفنية ، فبعض تتنوع التجارب أيضا كتاب هذا الجيل ينحو إلى الواقعية كأحمد اليوسف ، وحسن حجاب وبدرية البشر ، وبعضهم يمزج بين الواقعية المتلبسة بالرمزية كيوسف المحميد ومحمود تراوري وعبداالله التعزي ، وفهد المصبح ، وناصر الجاسم . بل إن المجموعة الواحدة أحيانا تضم أكثر من تجربة ، وتنتمي إلى أكثر من مذهب لكنهم كانوا أقل من سابقيهم من حيث المبالغة في التجريب ، وبدوا أقرب إلى التحديث المتوازن . وقد لحق هذا الجيل بقليل من الوهج الإعلامي المركز على القصة القصيرة ، فحازت أعمالهم على ً ً إلى نفسه بريقا كثير من الدراسات النقدية ، وسلطت عليهم الأضواء ، وبعضهم تحول إلى الرواية مضيفا آخر ، مثل عبده خال ، ويوسف المحيمد ، وبدرية البشر ، ونورة الغامدي ، وعبداالله التعزي، ومحمود تراوري ، وعبداالله الحفيظ الشمري . * * * وبعد: فهذا مدخل تاريخي أردت من خلاله لم شتات الكتابات المجزأة عن رحلة القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية خلال القرن العشرين (منذ نشأتها عام 1926م حتى عام2000م) في متن واحد ً ـ في يتيح للقارئ فرصة التعرف على مراحل تطورها ، وأبرز أعلامها، وخصائص كل مرحلة ، مراعيا حدود الإمكان ـ الإيجاز غير المخل بما يتوافق مع فكرة المدخل التاريخي الساعي إلى منح فكرة عامة ومركزة وهو ما أرجو أن تحققه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق