الجمعة، 21 أغسطس 2020

نشأة نظرية النظم وتطورها

 

نشأة نظرية النظم وتطورها

 

لم تكن هناك دراسات واعية للنظم في العصر الجاهلي وحتى العصر الاموي ولم ترد اشارات علمية لتفسيره لان البلاغة مركزة في طباع القوم وكان النظم من سليقتهم .

وكن مع بداية العصر العباسي الاول بعد ان اختلط العرب بالعجم شعر المسلمون ضرورة المحافظة على القرآن الكريم لان اللحن الذي أخذ يشيع على الألسن فطفقوا يلتقون الى نظمه و ينشئون العلوم التي تحافظ عليه .

سيبويه ادرك اثر تنظيم الكلمات في المعنى كما شرح كثيرا من اساليب النفي والاستفهام والشرط والتقديم والحذف التي ظهرت فيها أوجه بلاغية .

ثم جاء الفراء و الف كتابه معاني القرآن يتناول فيها الغريب بتفسيره وتوضيح معناه نحو تركيب الجملة القرآنية في تقديم كلمة على آخرى .

والبحوث النحوية عند الفراء لا تخلو من دلالة بلاغية احيانا حيث يشير الى خاصية اللفظ با استعمال اسم الاشارة و الاسماء الموصولة للدلالات غير دلالات النحو وان كانت وثيقة الصلة بها

فالنظرة البلاغية واضحة عن الفراء ولكنها نظرة جزئية لا تتجاوز الصورة الجزئية.

أبو عبيدة معمر بن المثنى دوره في تطوير نظرية النظم من خلال كتابه اعجاز القرآن الذي حاول فيه شرح ما في النظم العربي من تقديم او تأخير او حذف وقد سمي بحثه المجاز أي الطريق وضرب له مثالا قوله تعالى ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) . وعرفه تعريفا عاما دون وضع مصطلح له (( ومن مجاز ما جاء مخاطبته مخاطبه الشاهد ثم تركت وحولت مخاطبته الى مخاطبة الغائب ))

 

ان اعجاز القرآن في نظمه فقال وفي كتابنا المنزل الذي يدلنا على انه صدق نظمه البديع الذي لا يقدر على مثله العباد

وكذلك عمد الجاحظ الى تعريف النظم والتفريق بين نظم القرآن ونظم سائر الكلام الفرق بين النظميين : وفرق مابين نظم القرآن و تأليفة وسائر الكلام فليس يعرف فروق النظم واختلاف البحث والنثر الا من عرف القصيدة من الرجز والمخمس من الاسجاع والمزدوج من المنثور والخطب من الرسائل .

كما الف الجاحظ كتابا نظم القرآن .

سقط على يد الزمان فلو بقى لعد شيئا جديدا في تاريخ الدراسات القرآنية التي سبقته .

لقد فطن الجاحظ الى ان لكل كلمة في القرآن دلالة مع صاحبتها في التركيب وهي توحي بمعنى في فقرة غير ماتوحي به في فقرة ثانية فلايجئ اللفظ في الآية او الآيات مادان مؤديا للمعنى .

ينادي الجاحظ بجعل الالفاظ في تأليفه .

نظرية النظم في الكلام ثلاثة اشياء :

 

1-                       لفظ حامل

2-                       معنى قائم

3-                       ورباط لها ناظم

وهذا ماعبر عنه الشيخ عبد القاهر الجرجاني بقوله ( ان الالفاظ لا تتفاضل من حيث الفاظ مجردة ولا من حيث كلم مفردة وان الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها وما اشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ ).

ابو هلال العسكري

وبهذا يكون قد اقترب اقترابا شديدا من الشيخ عبد القاهر الجرجاني ووضع في يده مفاتيح نظرية النظم .

و تأخذ نظرية النظم في النمو على يد الباقلاني فقد الف كتابا في اعجاز القرآن ضمنه فصلا عن وجود اعجاز القرآن وجعل بينهما الاعجاز البلاغي

ومنها كلام العرب لا يشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرف والبديع والمعني اللطيفة والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة على هذا الطول و انما تنسب الى حكميهم كلمات متعددة والى شاعرهم قصائد محصورة

ومنها ان عجيب نظمه وبيع تأليفه لا يتفاوت و لا يتباين علو ما يتصرف اليه من الوجوه التي يتصرف منها من ذكر قصص و مواعظ واحتجاج وحكم و احكام و اعذار

ومنها ان كلام الفصحاء يتفاوت تفواتا بينا في الفصل والوصل والعلو والنزول مما ينقسم اليه الخطاب عند النظم .

ومنها ان نظم القران وقع موقعا في البلاغة يخرج عادة كلام .

ومنها ان الذي ينقسم عليه الخطاب من البسط والاقتصار والجمع والتفرق والاستعارة والتصريح و التجوز والتحقيق وغيره من الوجوه التي توجد في كلامهم موجود في القران مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم في الفصاحة و الابداع والبلاغة .

ومنها ان الحروف الي بنى العرب كلامهم تسعة وعشرون حرفا .

والنظم لايكون عاليا اذا لم تكن الفاظه فصيحة فقال واعلم ان الفصاحة لا تظهر في افراد الكلام و انما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة ولابد من الضم من ان يكون لكل كلمة صفة وقد يجوز ان تكون هذه الصفة بالمواصفة التي تتناول الضم

فالفصاحة لا تكون للألفاظ من حيث ذواتها و انما تكون فصحية بملاحظة صفات مختلفة لها كإبدال الذي تختص به وحركاتها في الاعراب وموقعها في التقديم و التأخير

 

نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني :

و اخيرا يأتي الشيخ عبد القاهر الجرجاني و يتلفلف هذه الفكرة من سابقيه بعد تدرجها في رحم النمو حتى ولدت على يد القاضي عبد الجبار فكلفها عبد القاهر

الاهمية اكساب الانسان القدرة على ادراك اعجاز القران وتذوق مواطن هذا الاعجاز واستشعارها

الدعامة الاولى :

 

ترتيب المعاني في النفس بموجب إعمال العقل والفكر .

قال الشيخ عبد القاهر : فا اما نظم الكلام فليس الامر فيه كذلك لانك تقتفي في نظمها اثار المعاني وترتيبها على حسب تريب المعاني في النفس ثم نكر لفظ الدهر ليبين عظمة البلوى التي تحيط به او ان تنكير الدهر جاء تبع لانكار النفس له

فقط اصبحت نفسه تنكر هذا الدهر فهو زمن منكر عجيب فليس هوا الزمن الذي مر به وعاش فيه ايام كان سيد مطاع على الاهواز

جاء في خصائص التراكيب : ( تجيد انه نكر دهرا ليشير بهذا الى انه دهر منكر مجهول فليس هوا الدهر الذي عهده الشاعر ايام نعمته وولايته على الاهواز وقد كان الشاعر عاملا عليه من قبل الواثق ثم عزل في وزارة محمد بن عبد الملك الزيات فهو ضائق ضجر بدهرا غادر .

 

 

الدعامة الثانية :

 

مراعاة السياق والموقع في التاليف .

يقصد به ضم الكلام بعضه الى بعض فاللفظ المفردة لتثبت لها الفضيلبة وخلافها الا بحسب موقعها بالكلام يقول ان الالفاظ لاتتفاضل من حيث هي الفاظ مجردة ولا من حيث هي كلام مفردة وان الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة بمعنى التي تليها وما اشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ .

ثم يضع لنا ميزانا نقديا حكيما لاثبات هذه الدعامه واثرها في نظرية النظم وهوا ما يمكن ان نسميه بالعزل النقدي الفردي .

الدعامة الثالثة :

 

توخى معاني النحو :

بعد ان اثبت الشيخ عبد القاهر لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبني بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك.

ان الالفاظ تتوالى في النطق بحسب توالي معانيها بالنفس .

ويقول في موضوع آخر اعلم ان ليس النظم ألا تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه و اصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشي منها .

ثم يبرهن لنا الشيخ عبد القاهر على فضل النظم وكيف ان توخى معاني النحو فيه يجعل الكلام سبيكة واحدة لا يمكن تقسيمها او تجزيئها فإذا حاولنا ذلك عمدنا الى هدم الصورة الممتدة التي نسجها النظم : ( واعلم ان واضع الكلام مثل من يأخذ قطع من الذهب او الفضة فيذيب بعضها ببعض حتى تصير قطعة واحدة وذلك انك اذا قلت ضرب زيدا عمر يوم الجمعه ضربا شديدا تأديبا له فانك تحصل من مجموع هذه الكلم كلها على مفهوم هوا معنى واحد لا عدة معان كما بتوهمه الناس وذلك لأنك لم تاتي بهذه الكلم لتفيده أنفس معانيها و انما جئت بها لتقيده وجوه التعلق التي بين الفصل الذي هوا الضرب وبين ما عمل فيه و الاحكام التي هيا محصول التعلق .

ويلفتنا الشيخ عبد القاهر الى امر مهم في نظرية النظم فليس معنى مراعاة النحو ان يكتسب الكلام نفس الخاصية ويكون له نفس التأثير في كل موطن فالتنكير والتعريف يختلف دورهما و تاثيرهما بحسب الموقع والغرض الذي اتيا من اجله لذا لا يمكن ان تحدد للتنكير والتعريف وجوه وفروق بعينها بل ليس لها غاية تقف عندها ولا نهاية تحدها .

يقول : و اذا قد عرفت ان مدار امر النظم على معاني النحو وعلى الوجوه والفروق التي من شأنها ان تكون فيه فا اعلم ان الفروق والوجوه الكثيرة ليس لها غاية تقف عندها ونهاية لا تجد لها ازدياد بعدها ثم اعلم ان ليست المزية بواجبة لها في انفسها من حيث هيا على الاطلاق ولكن تعرض بسبب المعاني و الاغراض التي يوضع لها الكلام ثم بحسب موقع بعضها من بعض واستعمال بعضها مع بعض .

 

 

أهمية نظرية الشيخ عبد القاهر الجرجاني التحليلية في التذوق البلاغي :

 

ان نظرية النظم التي اصلها الشيخ عبد القاهر في كتابه دلائل الاعجاز تعد حقيقة منهجا تحليلا رائعا في نقد الآثار الادبية وان لم يكون هوا مبتكرها وان عد صاحبها واشتهر بها لأنه وسع مدلولها ومد آفاقها وبسط القول فيها وقعد لها القواعد واستنبط الاصول ودعمها بالشواهد .

فمعظم النظريات الخالدة في العلم لا تعدم ان تجد لها سوابق في اشارات المتقدمين وكتابتهم ولكن الفكرة التي تستحق اسم نظرية هيا ما كانت لصاحبها فضل عرضها وتحقيها وتعليلها واستقراء امثلتها و ازالة ما يعرض لها من شبهات ومحاولة تطبيقها في ميدان الدراسة الخاصة .

وترجع اهمية نظرية الشيخ عبد القاهر الى انها تدعو المتذوق الى التغلغل في اعماق النص وعدم الوقوف عند ظواهر اللفظ بل لابد من ادراك العلاقات بين الالفاظ لان اللغة عند الشيخ هيا مجموعة من العلاقات وليست مجموعة الفاظ وفي ذلك يقول اعلم ان عنا اصلا انت ترى الناس في صورة من يعرف من جانب وينكر من آخر وهوا او ان الالفاظ المفردة التي هيا أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في انفسها ولكن لان يضم بعضها لبعض فيعرف فيما بينها فوائد .

 

كما توصلت دراسة نجاح الظهار الى ان الشيخ عبد القاهر ترك للنقاد أروع طريقة تمكنهم من التذوق السليم والنقد الهادف هيا نظرية النظم التي بنى عليها كتابة الدلائل التي تعد حقيقة منهجا تحليلا رائعا في كشف الطاقات الادبية كما نحا الشيخ عبد القاهر بمنهجه التحليلي منحى جديدا فبين اثر النفس والتامل في دراسة الآثار الادبية .

كذلك عنى الشيخ عبد القاهر بالناحية النقدية عناية تجعله من أوائل نقاد الادب العربي فقد استطاع من خلال تحليلاته وتوجيهاته القيمة تلبية التذوق البلاغي عند الناقد فطالب با اتخاذ الذوق الموضوعي منهجا عاما في كل عملية نقدية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق