الثلاثاء، 12 أبريل 2016

القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية خلال القرن العشرين ( المرحلة الاولى )

المرحلة الأولى: البدايات
قبل الحديث عن بدايات القصة القصيرة في السعودية لابد من إلماحة عجلى إلى الحركة الأدبية الحديثة في المملكة العربية السعودية التي يرى عدد من الباحثين وفي مقدمتهم الدكتور منصور الحازمي أن بدايتها الفعلية كانت مع بدايات العهد السعودي في الحجاز من ( 1344هـ / 1924م إلى 1365هـ/1945م) إذ تمثل هذه الفترة الولادة الحقيقة للأدب الحديث في بلادنا لما واكب ذلك العهد من انفتاح تدريجي على العالم الخارجي، ووضع الأسس لنهضة فكرية وعمرانية شاملة، ونشر للتعليم، وتشجيع للصحافة وفتح مساحات أوسع لحرية التعبير، أما في أواخر العهد العثماني، وطيلة العهد الهاشمي فقد كانت البلاد تعيش فيما أصطلح عليه بمصطلح عصور الضعف، ولم يحتل الأدب مكانة تذكر في صحافة ً ً، وخلال العهد الهاشمي كان الأدب مشغولا ً أعجميا هذين العهدين، فخلال العهد التركي كان الأدب غريبا .  بالسياسة ً مصر لقد وجد أدباؤنا أنفسهم بعيدين بمسافات عن أقرانهم في البلاد العربية المجاورة، خصوصا والشام، ووجدوا هذا العهد السعودي الجديد يفتح أمامهم الأبواب المغلقة، ويتيح لهم حرية لطالما حلموا بها خلال العهود السابقة،ويشجع الصحافة ، وينشر التعليم ؛ فبدأوا بأخذ زمام المبادرة وهم يتنادون باسم ً، فملؤا الصحف بكتاباتهم الأدبية، وسعوا إلى التاريخ لهذا الأدب رغم ضآلة الأدب، ويحمس بعضهم بعضا محتواه وقصر امتداده الزمني، وتسابقوا في عرض نتاجهم على بعض أساطين الأدب في مصر والشام ليحصلوا على اعتراف به، وهكذا فتح العهد السعودي الجديد مساحات واسعة أمام الأدباء، فأتيح لهم نشر لمحمد  لمحمد سرور الصبان، و(خواطر مصرحة) إنتاجهم إما على شكل كتب، مثل:( أدب الحجاز) ٕما من خلال الصحف التي صدرت وكانت ذات هوية  حسن عواد، و(المعرض) لمحمد سرور الصبان وا أدبية مثل صوت الحجاز، والمنهل، والمدينة المنورة وغيرها، وقد أتاحت الصحافة دخول فنون جديدة .  كالمقالة والقصة بعد أن كان الشعر هو المسيطر ـ2ـ إذن فقد ولدت القصة القصيرة في هذه المرحلة ـ مرحلة ما بين الحربين العالميتين ـ في أحضان الصحافة، ولكنها ولادة متعثرة ومولود خداج لم يكتمل نموه، ولم تتضح ملامحه كما يشير إلى ذلك جل .  الباحثين الذين تحدثوا عن بدايات القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية  
ولعل أشهر المحاولات القصصية وأولها: (على ملعب الحوادث) لعبد الوهاب آشي التي نشرت في كتاب (أدب الحجاز) الذي جمعه محمد سرور الصبان، ونشره عام ( 1926م) وفيها يصور وطنه الحجاز على هيئة فتاة جميلة تتحدث إلى أبيها الشيخ المتهدم وتعني به التاريخ أو الماضي تشكو إليه بؤس الحاضر، وتتحسر على الماضي الجميل الذي بناه السلف وهدمه الخلف بأسلوب مثقل بالسجع على غرار لغة المقامات وأسلوبها. ويتزامن مع هذه المحاولة محاولتان أخريان لمحمد حسن عواد نشرتا في كتابه (خواطر مصرحة) الأولى بعنوان : (الزواج الإجباري) ، والثانية بعنوان : (الحجاز بعد 500سنة)، حاول في الأولى الدعوة ً من خلال أحداث القصة إلى ضرورة التحري عن المقدم على الزواج قبل إلى إصلاح أمور الزواج ملمحا الارتباط، فالفتاة التي زوجها والدها لأول خاطب دون أخذ رأيها اكتشفت بعد زواجها بأن زوجها متفلت، ويرى الدكتور  كثير السهر والغياب عن البيت مما أدى بها إلى الانحراف والوقوع في الرذيلة ثم الانتحار الحازمي أن هذه القصة تخلو من المعالجة الفنية، ويبدو أن العواد تأثر ببعض القصص العربية أو المعربة ذلك لأنها بعيدة كل البعد عن البيئة الحجازية التي أراد أن يصلح بعض عيوبها، فلعب البلياردو لم يكن ً في تلك الفترة ً أو واردا . معروفا أما محاولة العواد الثانية (الحجاز بعد 500سنة)، فهي قصة خيالية على هيئة رسالة تبعث بها فتاة في الثامنة عشرة من عمرها اسمها (ساعدة) تعمل رئيسة معمل الزجاج بجدة الجديدة إلى أخيها في مدينة الوئام التي تبعد عن مكة 160كم، وفيها يتنبأ الكاتب بازدهار حضاري كبير في الحجاز بعد خمسة .  قرون ومن هذه المحاولات قصة (الابن العاق) لعزيز (10) وتوالت المحاولات بعد ذلك قليلة ومتباعدة ضياء التي نشرت في صحيفة صوت الحجاز عام( 1351هـ / 1933م)، وقصة ( في الراديو) لأحمد ً في (صوت الحجاز) عام( 1354هـ / 1935م)، وقصة (عقل عصفور) لمحمد السباعي ونشرت أيضا ً في صوت الحجاز عام ( 1355هـ/ 1936م) وقصة (حياة ميت) لحسين حسن كتبي ونشرت أيضا سرحان، التي نشرت في صحيفة (صوت الحجاز) عام ( 1355هـ/ 1936م) ، وقصة (رامز) لمحمد سعيد العامودي التي نشرت في صحيفة (صوت الحجاز) عام ( 1355هـ / 1937م)، وحنفشعيات حمزة شحاته ً في صحيفة صوت الحجاز والتي يرى الدكتور: منصور عن حماره التي كان ينشرها خلال هذه الفترة أيضا الحازمي أنها أنضج ما نشر في تلك المرحلة من المحاولات القصصية التي اتخذت من الحيوان وسيلة لنقد الإنسان. ً التي نشرت في تلك الفترة، قصة "رجل من الناس" لحسين سرحان وقد ومن المحاولات أيضا ً في نشرت في المنهل عام( 1356هـ /1937م) ، وقصة (الميراث) لمحمد سعيد العامودي ونشرت أيضا (المنهل) عام (1356هـ /1937م)
وقد ظهر في هذه المرحلة أربعة كتاب مهمين اثنان منهما من الوافدين إلى المملكة، وهما أحمد رضا حوحو من الجزائر، ومحمد عالم الأفغاني من بلاد الأفغان والآخران سعوديان وهما "محمد أمين يحيي"، و"محمد علي مغربي" ولعل ما يجعلهم من الكتاب المهمين في هذه المرحلة، أن كتاباتهم القصصية ً من مفهوم القصة القصيرة، وأكثر عناية بعناصرها البنائية ٕ ن لم تصل إلى القصة كانت أكثر قربا وا الفنية المكتملة ـ كما أنهم لم يكتفوا بعمل واحد أو عمليين ، بل نشروا أكثر من ذلك مما يدل على أن القصة القصيرة كانت خيارهم الأدبي الذي اختاروه، وأرادوا أن يبرزوا فيه. فأحمد رضا حوحو نشر إحدى عشرة قصة في مجلة (المنهل) ابتداء من عام ( 1356هـ وحتى عام 1360هـ) ، وهي على التوالي (الانتقام ، نبل، ابن البحيرة ، الأديب الأخير، الضحية ،جريمة حماه، ، ومحمد عالم الأفغاني، نشر أربع  الكفاح الأخير، أدباء المظهر، صنيعة البرامكة، الواهم، فاتح) قصص في مجلة (المنهل) ابتداء من عام( 1358هـ) حتى(1360هـ) وهي علي التوالي: (الثأر، طائران . ( إلى القمر، عودة سعيد، صورة من خيال الصيف في المدينة المنورة) ً من القصص خلال هذه المرحلة وهي (الوفاء) ونشرت في جريدة ومحمد أمين يحيي نشر عددا (صوت الحجاز) عام ( 1356هـ) و(العيد) نشرت في جريدة (المدينة المنورة) عام ( 1356هـ) ، (ودموع السعادة) ونشرت في مجلة (المنهل) عام ( 1357هـ) ، و(دموع العيد) نشرت في مجلة (المنهل) عام ً من القصص، منها (المترهبة) نشرت في مجلة (المنهل) (1359هـ) وكذلك نشر محمد علي مغربي عددا عام( 1357هـ) و(الوفاء) ونشرت بعد شهر من نشر القصة السابقة في جريدة (صوت الحجاز) و(اعتراف) التي نشرت في (المنهل) عام ( 1358هـ) و(ملابسه المسروقة) التي نشرت في (المنهل) عام (هـ1358) (14) . هذه أبرز المحاولات القصصية التي نشرت في فترة ما بين الحربين العالميتين . والناظر في هذه المحاولات القصصية يتبين له ما يلي: ـ ً عبر صحيفة (صوت ً أولا : أن أغلب هذه المحاولات القصصية نشرت في الصحافة وخصوصا الحجاز) ومجلة (المنهل) وبذلك فهما أهم مصادر القصة القصيرة في مرحلة النشأة. ً: مشاركة أغلب الأدباء السعوديين في تلك المرحلة على اختلاف فنونهم التي يبدعون فيها في ثانيا الكتابة القصصية وهم في الغالب لا يعرفون أصولها الفنية ولا قواعدها التقنية، وكأن المسألة بالنسبة لهم ٕ ثبات لحضور هذا الفن في أدبهم وحضورهم فيه أسوة بالأدب والأدباء في كانت مجرد إثبات للذات، وا البلدان العربية المجاورة التي سبقتهم إليه ؛ لذلك سنجد الشاعر والمؤرخ وكاتب المقالة وغيرهم، لكل واحد منهم محاولة أو محاولتين قصصيتين خلال هذه الفترة ـ فترة ما بين الحربين ـ وأغلبهم عاد إلى فنه الذي يتقنه وترك القصة . 
 كانت هناك فترات زمنية متباعدة بين المحاولات القصصية المنشورة خلال هذه الفترة، فبعد ثالثا (على ملعب الحوادث) لعبد الوهاب آشي، و(الزواج الإجباري) لمحمد حسن عواد عام ( 1345هـ / 1926م) مر زمن طويل لتبدأ بعده المحاولات المتصلة عبر صحيفة صوت الحجاز بقصة (الابن العاق) لعزيز ضياء عام( 1351هـ) وبعدها سيحمل كل عام قصة واحدة أو قصتين على الأكثر حتى نصل إلى ً، ويصبح هناك نوع من التتابع عام(1355هـ) هو العام الذي صدرت فيه مجلة المنهل ليزداد العدد قليلا القريب في نشر القصص القصيرة. وهذا يشير إلى بطء حركة القصة القصيرة في تلك الفترة، وربما كان هذا البطء في الحركة، ، من أهم العوامل التي أخرت تطور القصة القصيرة فترة طويلة على الرغم من البداية المبكرة لها؛ ولعل ذلك راجع إلى مكانة القصة نفسها، فقد كان الفن القصصي كما يقول الدكتور (( يعيش في بلادنا في مرحلة ما بين الحربين على هامش الأدب كما هو حاله في معظم  الحازمي: البلدان العربية، كان الشعر سيد الفنون لأسباب تاريخية، والمقالة مادة الخطاب الإعلامي، فارتقى الشعر وتقدمت المقالة، وانزوت القصة مهملة في ثياب رثه لم يسأل أحد عنها إلا قلة من المحسنين ـ كعبد القدوس الأنصاري وأحمد رضا حوحو ـ الذين شعروا بأهميتها لا كفن أدبي متميز ، بل كوسيلة مؤثرة في .  تليين القلوب وفي بث النصح وتقديم المواعظ)) رابعا : على الرغم من تميز بعض هذه المحاولات الأولى واقترابها بصورة أكبر من مفهوم القصة ً ◌ ً في كتابات أحمد رضا حوحو، ومحمد عالم الأفغاني، ومحمد أمين يحيي، ومحمد علي القصيرة، خصوصا مغربي، ومحمد سعيد العامودي فإن السمة الغالبة على مجمل الإنتاج خلال هذه المرحلة، هي غلبة المضمون على الجانب الفني، إذ حاز المضمون على اهتمام الكتاب بصورة أكبر مما لقيه الأسلوب القصصي والبناء الفني ـ كما يقول الدكتور محمد الشامخ ـ ولعل ذلك راجع إلى مجموعة من الأسباب يأتي في مقدمتها سيطرة الهدف الإصلاحي على كتابها، فكثير منهم كان ينظر إلى القصة على أنها وسيلة .  حديثة يجب أن تستغل لتحقيق هذا الهدف التربوي في المجتمع هذا بالإضافة إلى أن أغلب الكتاب خاضوا غمار هذه التجارب متأثرين بمحصولهم القرائي القليل في هذا الفن ـ في تلك الفترة ـ دون أن يتعرفوا على أدوات القصة القصيرة الفنية، وطرائقها وأساليبها، وقد كانت في تلك الفترة ما تزال في بداياتها حتى في مراكز الثقافة العربية كمصر والشام؛ ولذلك فإن الضعف الفني الذي صحب تجاربهم كان مصدره ضعف المعرفة وضعف الخبرة، كما أن غياب النقد الفني العارف بأصول هذا الفن، الذي يحاور النصوص ويقف على مواطن القوة والضعف فيها ويوجه الكتاب إلى ذلك في أعمالهم، ويربط إنتاجهم بأصول هذا الفن ـ هذا الغياب النقدي ـ أسهم في أن تظل تلك الكتابات القصصية خلال فترة ما بين الحربين أسيرة المحاولات المتعثرة،وغير قادرة على التطور، وتجاوز مرحلة . التجربة إلى طور أكثر فنية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق