الأحد، 8 أبريل 2018

المجاز العقلي


مفهومة :
المجاز العقلي هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلي غير ما هو له لعلاقة بينهما مع وجود قرينة مانعة من الإسناد الحقيقي. يكون الإسناد المجازى إلي سبب الفعل أو زمانه أو مكانه أو مصدره أو يكون بإسناد المبني للفاعل إلى المفعول أو المبني للمفعول إلى الفاعل.

عقلي، وهو يجري في الإسناد، بمعنى أن يكون الإسناد إلى غير من هو له، نحو: (شفى الطبيب المريض) فإن الشفاء من الله تعالى، فإسناده إلى الطبيب مجاز، ويتمّ ذلك بوجود علاقة مع قرينة مانعة من جريان الإسناد إلى من هو له.
أقسام المجاز العقلي
المجاز العقلي على قسمين، وقدمناه لقلّة مباحثه:
الأول: المجاز في الإسناد، وهو إسناد الفعل أو ما في معنى الفعل إلى غير من هو له، وهو على أقسام، أشهرها:
1
ـ الإسناد إلى الزمان، كقوله: (من سرّه زمن سائته أزمان) فإن إسناد المسرّة والاساءة إلى الزمان مجاز، إذ المسيء هو بعض الطواريء العارضة فيه، لا الزمان نفسه.
2
ـ الإسناد إلى المكان، نحو قوله تعالى: (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم)(1) فإنّ إسناد الجري إلى الأنهار مجاز، باعتبار مائها.
3
ـ الإسناد إلى السبب، كقوله: (بنى الأمير المدينة) فإنّ الأمير سبب بناء المدينة لا إنّه بناها بنفسه.
4
ـ الإسناد إلى المصدر، كقوله: (سيذكرني قومي إذا جَدَّ جِدّهم) فإنّ الفعل (جَدَّ) أُسند إلى المصدر: (جِدّهم(مجازاً، لأنّ الفاعل الأصلي هو الجادّ.
الثاني: المجاز في النسبة غير الإسنادية، وأشهرها النسبة الإضافيّة نحو:
1
ـ (جَرْيُ الأنهار) فإنّ نسبة الجري إلى النهر مجاز باعتبار الإضافة إلى المكان.
2
ـ (صومُ النهار) فإنّ نسبة الصوم إلى النهار مجاز باعتبار الإضافة إلى الزمان.
3
ـ (غُرابُ البَين) فإنّه مجاز باعتبار الإضافة إلى السبب.
4
ـ (اجتهاد الجِدّ) مجاز باعتبار الإضافة إلى المصدر.
امثلة :
1.    الإسناد إلى سبب الفعل: كأن نقول: بلّط الحاكم شوارع المدينة. فإن الحاكم لم يبلط الشوارع بنفسه ولكنّه سبّب التبليط.
2.    الإسناد إلى الزمان: كأن نقول: دارت بي الأيام، فالأيام لا تدور بل أنت تدور في تلك الأيام فنسبة الدوران إلى الأيام مجاز.
3.    الإسناد إلى المكان: كأن نقول: ازدحمت الشوارع، فإن الشوارع لا تزدحم بل الناس هي التي تزدحم فيها فنسبة الازدحام إلى الشوارع مجاز.
4.    الإسناد إلى المصدر: كأن نقول: فلان جنّ جنونه، فإن الذي جنّ هو فلان ولكن نسبته إلى المصدر مجاز.
5.    الإسناد في النسبة غير الإسنادية: كقولنا: تجري الأنهار إلى البحر. فإن النهر لا يجري بل الماء الذي فيه هو الذي يجري
بلاغة المجاز العقلي تظهر في :
1-   تادية المعنى المقصود بأيجاز
2-   تحضير العلاقة بين المعنين الاصلي والمجازي
3-   عدم خلو المجاز من مبالغة بديعية ذات اثر جعل المجاز رائعاً خلاباً

*سمي مجازا عقليا وقد يطلق عليه "مجاز حكمي" لأن كلا من ركني الإسناد قد يكون مستعملا في معناه اللغوي بحسب وضعه، إنما حصل التجوز في الإسناد وفي النسبة فقط، وقد يكون مستعملا في معنى مجازي على طريقة المجاز اللغوي، وأضيف إلى ذلك مجاز عقلي حاصل في الإسناد، أي: في نسبة المسند إلى المسند إليه، سواء أكانت الجملة فعلية أو اسمية.
ما في معنى الفعل: المصدر والمشتقات التي تعمل عمل الفعل في الأسماء الظاهرة أو في ضمائرها، وهي اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، واسم المصدر.


تقسيم المجاز العقلي باعتبار طرفيه المسند والمسند إليه
قسم البيانيون المجاز العقلي بالنظر إلى كون كل من طرفيه: "المسند والمسند إليه" حقيقة لغوية أو مجازا لغويا، إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الطرفان حقيقتين، مثل: "سال الوادي".
فالمسند وهو فعل "سال" مستعمل فيما وضع له لغة وهو السيلان، ولا مجاز فيه.
والمسند إليه وهو "الوادي" مستعمل أيضا فيما وضع له لغة ولا مجاز فيه.
لكن المجاز وقع في الإسناد وهو نسبة السيلان إلى الوادي، وهذا من المجاز العقلي.
* ومثل قول الله عز وجل في سورة (الأنفال/ 8 مصحف/ 88 نزول):
{إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون}.
زادتهم إيمانا: فعل الزيادة حقيقة، والأيات حقيقة، وإسناد الزيادة إلى الآيات مجاز عقلي، ملابسته السببية.
* ومثل قول الله عز وجل في سورة (الزلزلة/ 99 مصحف/ 93 نزول):
{إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها}.
أخرجت الأرض: كل من المسند والمسند إليه حقيقة، والإسناد مجاز عقلي، لأن الأرض ليست هي التي تخرج أثقالها حقيقة.
القسم الثاني: أن يكون الطرفان مجازيين، مثل:
* "أحيا الأرض شباب الزمان".
فعل "أحيا" مجاز يراد به الإنبات، و "شباب الزمان" مجاز يراد به الفصل الذي تنبت فيه الزروع، إذ هو يشبه الشباب في الإنسان، وكلاهما استعارة.
وإسناد الإحياء إلى شباب الزمان مجاز عقلي، لأن المنبت في الحقيقة هو الله.
* قول الله عز وجل في سورة (البقرة):
{فما ربحت تجارتهم}.
نفي الربح: مجاز عن عدم تحصيلهم نفعا من أخذ الضلالة وترك الهدى.
تجارتهم: مجاز عن عملية أخذ الضلالة وترك الهدى.
وإسناد نفي الربح عن تجارتهم مجاز عقلي، إذ المنافقون هم الذين لم يربحوا، وقد سبق شرح هذا النص.
* "أنطقت أيادي الإحسان ورود وجوه الحسان بالشكران" فالطرفان مجازان، والإسناد مجاز عقلي.
القسم الثالث: أن يكون المسند حقيقة والمسند إليه مجازا، مثل: "أنبت البقل شباب الزمان".
الإنبات: حقيقة. وشباب الزمان مجاز، والإسناد مجاز عقلي، والملابسة السببية.
القسم الرابع: أن يكون المسند مجازا والمسند إليه حقيقة، مثل:
* قول المتنبي:
* وتحيي له المال الصوارم والقنا * ويقتل ما تحيي التبسم والجدا*
الإحياء مجاز عن الإنماء والتكثير، والصوارم والقنا حقيقة، وإسناد الإحياء إلى الصوارم والقنا مجاز عقلي، والملابسة السببية.
* قول الله عز وجل في سورة (محمد/ 47 مصحف/ 95 نزول):
{...حتى تضع الحرب أوزارها...} [الآية:4].
وضع الأوزار: مجاز عن انتهاء أعمال الحرب.
الحرب: حقيقة.
وإسناد وضع الأوزار إلى الحرب مجاز عقلي.
قرينة المجاز العقلي:
تأتي قرينة المجاز العقلي على وجهين:
الوجه الأول: أن تكون لفظية، مثل: بنى صالح بيته مستأجرا أمهر البنائين، أي: لم يبنه بيده، إنما اتخذ الوسائل لبنائه.
الوجه الثاني: أن تكون غير لفظية، وهذه القرينة:
* وإما أن تكون آتية من دليل العقل، مثل: جاءت بي إليك، فالمحبة ليست هي الفاعلة على وجه الحقيقة، لكنها كانت الباعث النفسي، وهذا يدرك بالعقل.
* وإما أن تكون آتية من دليل العادة، مثل: طبخ صاحب الوليمة لضيوفه طعاما شهيا لذيذا، أي: أمر بطبخ الطعام هذا، واتخذ الوسائل لإعداده، وهذا يدرك بحسب العادة.
* وإما أن تكون آتية من دليل الحال، مثل: كتب عبد السميع رسالة مؤثرة لولده المسافر، أي: أمر بأن تكتب له، إذا كان هذا الرجل أميا لا يقرأ ولا يكتب، وكانت حاله معروفة.
قيمة المجاز العقلي في البلاغة والأدب:
كل من يقرأ أو يسمع كلاما بليغا مؤثرا إذا رجع إلى تحليل عناصر التأثير فيه، القائمة على الإبداع الرفيع يلاحظ أن من أكثر هذه العناصر تأثيرا في نفسه، ما اشتمل الكلام عليه من مجاز بديع، وتكثر فيه الفقرات التي تنتمي إلى قسم المجاز العقلي.
ولا يحسن الإبداع المؤثر من هذا المجاز إلا أذكياء البلغاء.
قال "الشيخ عبد القاهر الجرجاني" متحدثا عن هذا النوع: "المجاز العقلي":
"هذا الضرب من المجاز على حدته كنز من كنوز البلاغة، ومادة الشاعر المفلق، والكاتب البليغ، في الإبداع، والإحسان، والاتساع في طرق البيان.
ولا يغرنك من أمره أنك ترى الرجل يقول: أتى بي الشوق إلى لقائك، وسار بي الحنين إلى رؤيتك، وأقدمني بلدك حق لي على إنسان، وأشباه ذلك، مما تجده لشهرته يجري مجرى الحقيقة، فليس هو كذلك، بل يدق ويلطف، حتى يأتيك بالبدعة التي لم تعرفها، والنادرة تأنق لها".











الاساليب

وقد تفنن علماء البلاغة، بإبراز علاقات هذا المجاز باعتباراته الخطابية والأسلوبية، وهذهالعلاقات ما هي إلا وجوه يقع عليها هذا المجاز، ويدور في فلكها، نكتفي بإيراد أشهرها ذيوعاً، وأكثرها استعمالاً في القرآن الكريم، كأنموذج أعلى تقتفي خطاه الاستعمالاتالأخرى في اللغة العربية، فما يرد في كلام البلغاء من العرب يقاس عليه، وما يستنبط منه يرجع إليه: وفيما يأتي نستعرض ملخصاً إجمالياً، وقد يكون إحصائياً في الوقت نفسه،بوجوه المجاز العقلي، مطبقة على نماذج من كتاب الله.
1 _ السببية، هي أكثر الوجوه استعمالاً في القرآن الكريم، وأشهر العلاقات ارتباطاً فيه، وأمثلته متوافرة في حدودكثيرة لا تحصى، ومعالمه منتشرة لا تستقصي، إذ كثيراً ما يطلق هذا المجاز في القرآن مسنداً إلى السبب، وإن بدا العامل فيه الفاعل، ولكن التحقيق يبدي خلاف ذلك مما يوحيبطبيعة إرادة المجاز:
أ _ قال تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَتُهُ زَادَتهُم إِيمَاناً} فقد نسبت زيادة الإيمان في الآية إلى آيات الله تعالى ولما كانالأصل في الإيمان وزيادته هو التوفيق الإلهي الصادر عن الله تعالى، علم أن زيادة الإيمان هنا بالنسبة للآيات مجاز عقلي بوصفها سبباً فيه.
ب _ قال تعالى: {يَهَمَنُابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَليَ أَبْلُغُ الأَسْبَبَ}.
فخطاب فرعون لهامان فيما اقتصه القرآ الكريم، لا يوحي بأنه متولي هذا البناء بنفسه، ولكنه المأمور به، إذ لم يباشرالبناء، وإنما بناه عماله وفعلته، ولما كان هامان سبباً في بناء هذا الصرح، أسند إليه الفعل مجازاً، وعلم أن وجه ذلك السببية.
2 _ الزمانية، وذلك فيما بني فيه الكلامللفاعل وأسند للزمان، ولا أثر للزمان في ذلك، وغنما اعتبر الزمان باعتبار الإسناد إليه، والعامل والمؤثر غيره، وأبرز مصاديقه من القرآن الكريم قوله تعالى: {وَالضُّحَىوَالَّيلِ إذَا سَجَى}.
فسجى بمعنى سكن، والليل وإن وصف بالسكون فسكونه مجازي لأنه غير قابل للحركات المباشرة التي قد توصف بالهدوء حيناً وبالفعالية حيناً آخر،وغنما المراد به سكون الناس فيه عن الحركات، وخلودهم فيه إلى السبات، واستسلامهم إلى الراحة.
3 _ المكانية، وذلك فيما بني فيه الكلام للفاعل وأسند للمكان، ولا أثرللمكان في ذلك، وإنما اعتبر المكان باعتبار الإسناد إليه، والعامل الحقيقي غيره، فلما أسند للمكان كان مجازاً عقلياً بسببه، وأبرز مصاديقه من القرآن الكريم، التعبير عنجريان الأنهار في عدة آيات كريمة، منها قوله تعالى:
{مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحتَها الأَنَهرُ...} والأنهار وعاء للماء ومستقر له،وهي ثابتة غير متنقلة، وهي مكان الجري، وما يجري فيها هو الماء، إلا أن مكانه الأنهار، فعبر عن جريان ذلك الماء بجري الأنهار بوصفها مكاناً له.
4 _ الفاعلية: فيما بنيفيه الكلام للمفعول وأسند للفاعل الحقيقي: وقد ينظر لهذا بقوله تعالى:
{وَإِذَا قَرَأتَ القُرءَانَ جَعَلنَا بَينَكَ وَبَينَ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَبِالأَخِرَةِ حِجَاباً مَّستُوراً}.
فمستور هنا بمعنى ساتر على قول يعتد به، ولم ينقل هذا اللفظ عن وضعه الأصلي في اللغة ليعد مجازاً لغوياً، وإنما المراد به عينلفظه، وإنما كانت صيغته دالة على الفاعل وغن وردت بصيغة المفعول.
6 _ المصدرية، وهو فيما بني فيه الكلام للفاعل، وأسند إلى المصدر، مع قرينة مانعة من الإسناد الحقيقي،ومثاله قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفخَةٌ وَاحِدَةٌ} فقد أسند الفعل إلى مصدره 'نفحة' ولم يسند إلى نائب فاعله الحقيقي، وذلك لعلاقة المصدرية التي نقلتالكلام إلى مجازه العقلي.
وليس ملزماً لأحد ما ذهب إليه بعضهم من أن هذا المجاز من مباحث علم الكلام وأولى به أن يضم إليها، لأنه كما اتضح من تفصيلات عبد القاهر،وإشارات القزويني، يعد كنزاً من كنوز البلاغة، وذخراً يعمد إليه الكاتب البليغ والشاعر المفلق والخطيب المصقع، وليس أدل على ذلك من أن القدماء استعملوه في كلامهم، وأنالقرآن الكريم حفل بألوان شتى منه، وأن البلاغيين والنقاد أشاروا إليه وذكروا أمثلته، وإن لم يطلق عليه الاسم إلا مؤخراً على يد عبد القاهر. وهذا كله يدل على أن المجازالعقلي لون من ألوان التعبير، وأسلوب من أساليب التفنن في القول، ولا يخرجه من البلاغة إفساد المتأخرين له، وإدخال مباحث المتكلمين فيه عند تعرضهم للفاعل الحقيقي.

الاغراض البلاغية
1-                       علم البديع
2-                       علم البيان
3-                       علم المعاني



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق