الثلاثاء، 12 أبريل 2016

المرحلة الثانية: التطور نحو الصياغة الفنية و المرحلة الثالثة: النضج والتنوع والازدهار

اذا كانت المرحلة الأولى لم تشهد أي تطور فني، وظلت أسيرة المحاولات المتعثرة ولم تصدر وا ،ً ً ملحوظا خلالها أي مجموعة قصصية،فإن المرحلة الثانية (ما بعد الحرب العالمية الثانية) قد شهدت تطورا وتبدت ملامح القصة القصيرة الفنية واضحة لدى كثير من كتاب هذه المرحلة، وخرجت من إسار النشر في الصحافة فقط إلى دائرة النشر المتخصص عبر مجموعات قصصية غامر أصحابها بنشرها في وقت كانت فيه الطباعة شحيحة في الداخل، ومكلفة في الخارج. ويرجع عدد من الباحثين تطور القصة القصيرة في هذه المرحلة إلى مجموعة من العوامل يأتي ً لذلك فقادت في مقدمتها الاستقرار السياسي، والانتعاش الاقتصادي، والتغيرات الاجتماعية التي حدثت تبعا البلاد والمجتمع نحو النمو الحضاري، إضافة إلى انتشار التعليم، وعودة المبتعثين للدراسة في الخارج إلى بلادهم مزودين بالعلم والمعرفة، والرغبة الجامحة في تطوير بلادهم، والأهم من كل ذلك تطور الصحافة ً ثابتة للقصة القصيرة، وشجعت وازدهارها واهتمامها الخاص بالقصة القصيرة إذ خصصت معظمها أبوابا على كتابتها ونشرها بطرائق متعددة ومتنوعة كالمسابقات ، أو وضع النهايات الممكنة لقصص تنشر وتبقى بحاجة إلى إكمال، ونحو ذلك من الوسائل المشجعة على كتابة القصة القصيرة ، إضافة إلى نشر المقالات .  النقدية الموجهة إلى القصة القصيرة، وترجمة نماذج من القصص العالمية ولعل أبرز ما يميز هذه المرحلة صدور مجموعات قصصية مطبوعة على الرغم من صعوبة ، وأول مجموعة قصصية صدرت هي مجموعة (أريد أن أرى االله) لأحمد عبد  الطباعة في ذلك الوقت الغفور عطار، عام ( 1366هـ / 1946م) ثم تلتها مجموعة (مع الشيطان) لإبراهيم هاشم فلالي، عام (1371هـ /1951م) ثم مجموعة (من بلادي) لغالب حمزة أبو الفرج عام( 1373هـ /1953م) ثم مجموعة (أنات الساقية) لحسن عبد االله القرشي عام ( 1376هـ 1955م) ثم مجموعة (الحنينة) و(الأذن تعشق) لأمين سالم الرويحي عام( 1378هـ ،1959م)، ثم مجموعة (فاطمة وقصص أخرى) لعبد السلام هاشم حافظ عام(1380هـ1960م)ثم مجموعة (شبح من فلسطين) لسعد البواردي، عام (1381هـ / 1961م)، ثم مجموعة (أمهاتنا والنضال) لإبراهيم الناصر، عام ( 1382هـ / 1962م) ثم مجموعة (عرق وطين) لعبد الرحمن الشاعر عام(1383هـ /1963م) ثم مجموعة (خالتي كدرجان) لأحمد السباعي (د.ت)، ومجموعة (حياة جائعة) لعبد االله الجفري (د.ت) لكن على الرغم من هذا العدد من المجموعات القصصية التي صدرت وعلى الرغم من العدد الكبير من القصص القصير .
التي شرت في تلك الفترة والتي بلغت المئات، وطرقت مختلف المضامين مبشرة بتطور القصة نحو ً من النماذج التي تستدر الدموع وتدغدغ العواطف كما في  الصياغة الفنية فإن هذه الفترة لم تسلم أيضا مجموعة (أنات الساقية) للشاعر حسن القرشي، أو تلك التي تسعى إلى التسلية والإثارة كما هو الحال في مجموعتي أمين سالم والرويحي (الحنينة) و (الأذن تعشق). ً ومع ذلك فإن ظهور عدد من الكتاب المهمين في هذه المرحلة، الذين فهموا فن القصة فهما ٕ براهيم الناصر، ومحمود عيسى المشهدي، وحمزة بوقري وعبد الرحمن ً أمثال: أحمد الساعي وا صحيحا الشاعر، يجعل هذه المرحلة تمثل البداية الحقيقية لفن القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية؛ وهذا ً ما جعل الدكتور منصور الحازمي يقول بأن ظهور هذا العدد القليل من الكتاب الذين فهموا القصة فهما ً يجعلنا نقول بأننا كنا حينذاك على أبواب عهد جديد وهو الأمر الذي دفع الدكتور الشنطي  صحيحا ٕذا كان سحمي  إلى أن يسمى هذه المرحلة بمرحلة الريادة الفنية، ويسمي هؤلاء الكتاب بالرواد . وا الهاجري لم يشر إلى أن السباعي من رواد القصة القصيرة بمفهومها الفني، فإن الدكتور الحازمي وكذلك الدكتور الشنطي يريان بأن السباعي رائد الاتجاه الواقعي في القصة السعودية وأنه بحسه المرهف هو الذي . مهد الطريق أمام ظهور القصة الفنية بمفهومها الدقيق ٕ براهيم الناصر، ومحمود المشهدي، وعبد الرحمن ليستفيد هؤلاء الكتاب الأربعة (حمزة بوقري ، وا الشاعر) من هذا التمهيد قافزين بالقصة القصيرة في السعودية نحو الصياغة الفنية، متأثرين بأقرانهم في العالم العربي، وقراءاتهم في الآداب العالمية، واحتكاكهم المباشر بالحركة الأدبية الموارة في بعض البلاد العربية المجاورة، فحمزة بوقري عايش ازدهار القصة القصيرة في مصر أثناء دراسته في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وأعد أطروحته للماجستير عن رائد من رواد القصة القصيرة في العالم العربي وهو محمود ً من حياته ٕ براهيم الناصر عاش شطرا ً كثيرة إلى العربية لعدد من الكتاب العالميين، وا تيمور، وترجم نصوصا في العراق، وتأثر بالأجواء الثقافية هناك، ومحمود المشهدي درس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وقضى ً ً من حياته في أمريكا، وعبد الرحمن الشاعر واكب عن طريق القراءة تطور القصة القصيرة عربيا شطرا ً .  وعالميا لقد تركت هذه المؤثرات بصمتها في نفوس هؤلاء الكتاب، وانعكست على إنتاجهم القصصي، فكان ً ً واضحا ً اشتركوا في اهتمامهم بالجانب الفني اهتماما لكل واحد منهم خصائصه المميزة، ولكنهم جميعا وسعوا إلى تحقيق ((الالتحام بين الشكل والمضمون، فلم يعد المضمون فكرة مسبقة مفروضة على القصة، ولكنهم اقتربوا من النجاح مرة، وتعثروا مرات، حتى بدا مع تقدم الزمن، وتكرار التجارب أن الأمر قد بدأ يستقيم لهم في أغلب القصص التي شكلت قبل نهاية هذه المرحلة أرضية صلبة للقصة القصيرة في المملكة، وأصلت لهذا الفن الأدبي ليحتل مكانته بين بقية الفنون الأدبية)) 
 ويرى الدكتور الشنطي أن أهم ما أنجزه هؤلاء الرواد:(( توفير الوحدة العضوية النامية في القصة والتخلص من مظاهر الترهل الإنشائي والحدثي، والتخفف من كثرة الشخصيات، والعمل على التكثيف والتركيز، والاتجاه إلى إقامة التوازن بين عالم الشخصية الخارجي وعالمها الداخلي، واختراقهم السطح الظاهري للحدث الواقعي، مع محاولة النفاذ إلى جوهره، ومحاولة الوصول إلى لحظة التنوير للإيحاء بوحدة .  الأثر والانطباع الذي هو الهدف الرئيس للقصة القصيرة)) وقد كان لكل واحد منهم تعامله الخاص مع موضوعاته وشخصياته، فإبراهيم الناصر كما يقول يعد من أبرز هؤلاء الرواد من ناحيتين: الأولى: من حيث الكم والاستمرارية، إذ أصدر  الدكتور الشنطي ثلاث مجموعات قصصية تنتمي إلى هذه المرحلة وهي: (أمهاتنا والنضال) و(أرض بلا مطر) و(غدير النبات) ثم أصدر فيما بعد مجموعة رابعة هي (عيون القطط) والثانية: من حيث الالتزام الفني والواقعي إلى حد كبير، إذ استطاع أن يصور مرحلة التطور والانعطاف من حياة البادية إلى حياة المدنية، وما رافق ذلك من قلق وتوتر في نفوس شخصياته. أما عبد الرحمن الشاعر فقد أصدر مجموعة واحدة هي (عرق وطين) وقد تميز باختيار نماذجه من المأزومين والفقراء، واستغلاله للحكاية الشعبية، وتصويره للحظات الصدمة التي انتابت اللقاء بين أما محمود عيسى المشهدي فقد أصدر مجموعة  عالمي القرية والمدينة، وتصويره لصراع الأجيال ً بالقضايا التي يعالجها أكثر من انشغاله بالوصف ومن أهم واحدة هي: (الحب لا يكفي) وقد بدا منشغلا القضايا التي عالجها قضية إرغام الفتاة على الزواج واضطهاد الزوج لزوجته، وتحول الزواج إلى سلعة ، .  وغيرها من القضايا المتعلقة بالمرأة أما حمزة بوقري فعلى الرغم من ترجمته لعدد من القصص العالمية ، ونشره لعدد من القصص القصيرة التي كتبها في الصحف والمجلات، فإنه لم يجمع ما نشر في مجموعة قصصية ، وبقيت نصوصه . حبيسة الصحف والمجلات، ولكنها شاهدة على ما حققه في مسيرة القصة القصيرة من تطور ونضج وقد تميز البوقري عن الشاعر والناصر والمشهدي بأنه كان أكثر صرامة في تطبيق التقنيات ً من دراسته الأكاديمية لهذا الفن في حين تميزوا عنه بالتعبير بحرية أكبر الفنية للقصة القصيرة مستفيدا ً بالسمات الفنية الرئيسية للقصة ً عن الالتزام بالنظريات النقدية للقصة القصيرة، ولكنهم التزموا جميعا بعيدا . القصيرة كل حسب طريقته ً قد ٕذا كانت هذه المرحلة قد حملت هذا التطور الفني الذي لمسناه عند هؤلاء الرواد فإنها أيضا وا ً في المضامين، فكان التحول الاجتماعي، والصدمة الناجمة عن الانتقال من البداوة إلى حملت تنوعا.
جبارها على الزواج، والتعامل معها المدنية من أهم الموضوعات التي تناولوها، وكانت مشكلات المرأة وا كسلعة ، واضطهادها من القضايا المهمة التي طرحوها ، وكذلك طرحت قضية الصراع بين الأجيال وبعض القضايا الوطنية العربية. كقضية فلسطين؛ مع تطور واضح في معالجة هذه المضامين بصورة فنية ٕ نما تسعى للمواءمة بينهما. لا تضحي بالشكل لمصلحة المضمون، وا ٕ نما بقي أن أشير إلى أن أوائل كتاب هذه المرحلة لم يكونوا مختصين بكتابة القصة القصيرة وا اقتحموا غمار هذا الفن قادمين من تجارب أخرى أمثال حسن القرشي وسعد البواردي، وهما شاعران، ٕ براهيم هاشم فلالي الذي كان أقرب إلى النقد، وغيرهم، أما الكتاب الرواد الذين اتجهوا بالقصة القصيرة وا ً وكتبها نحو الفنية، فقد كانوا من المختصين في هذا الفن، فحمزة بوقري درس القصة القصيرة أكاديميا ً ما يقرب من ٕ براهيم الناصر كتب القصة القصيرة والرواية وواصل مسيرته القصصية منتجا وكتب الرواية، وا ً، ومحمود المشهدي وعبد الرحمن الشاعر كتبا القصة القصيرة ويمكن أن نضيف ً قصصيا أربعة عشر عملا إليهما غالب حمزة أبو الفرج، وعبد االله الجفري اللذين نشرا أول إنتاجهما القصصي في هذه الفترة وواصلا ً بعد ذلك نشر أعمالها منتجين عدداً كبيراً من الأعمال القصصية القصيرة والرواية.

المرحلة الثالثة: النضج والتنوع والازدهار
ما إن أرسى الرواد قواعد القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية وبدأوا يحققون لها درجة عالية من النضج الفني – بعد رحلة طويلة امتدت من الخمسينات الميلادية حتى منتصف السبعينات – ٕ نتاج من لحق بهم من الكتاب والكاتبات أمثال مرسخين الاتجاه الواقعي الكلاسيكي من خلال إنتاجهم، وا علوي الصافي، وخليل الفزيع، وعبد االله باقازي، ومحمد الشقحاء، ونجاة خياط، وخيرية السقاف، وغيرهم، ً بين الفنون الأدبية الأخرى، حتى فاجأنا مجموعة من الكتاب وأخذت القصة القصيرة تتبوأ مقعدا – ً متميزا الذين نشروا مجموعاتهم القصصية في أواخر السبعينات – بقفزة كبيرة نقلت القصة القصيرة من الواقعية التقليدية الهادئة إلى آفاق الحداثة والتجريب بصورة غريبة ومدهشة ومفاجئة، وبادئين بذلك مرحلة جديدة في رحلة القصة القصيرة تبدأ من أواخر السبعينات وتحديدا 1977م) العام الذي صدرت فيه مجموعة ً من عام ( ً (الخبز والصمت) لمحمد علوان، وتمتد إلى وقتنا الحاضر ولكني سأتوقف عند عام ( 2000م) ملتزما بالحدود الزمنية للبحث. 
والمتأمل في هذه المرحلة الجديدة يستطيع أن يتبين ثلاثة أجيال متداخلة: الجيل الأول: جيل أواخر السبعينات الميلادية – الذين أحدثوا هذه النقلة – والجيل الثاني: جيل الثمانينات الميلادية – وتمثل مرحلة الثمانينات الميلادية العصر الذهبي للقصة القصيرة في السعودية – والجيل الثالث: هو جيل التسعينات ً من وهج العصر الذهبي للقصة القصيرة في السعودية. الميلادية الذي لحق كثير
هذه الأجيال الثلاثة – ولنقل المحطات الثلاث – تندرج تحت مظلة مرحلة واحدة من مراحل تطور القصة القصيرة في السعودية ، وهي المرحلة الثالثة الممتدة من عام ( 1977م) حتى وقتنا الحاضر ، ويمكن أن نسميها (مرحلة النضج والازدهار والتنوع) إنها مرحلة حافلة بالتداخل والتناقض والإغراب والدهشة، ففيها يتجاور التقليديون مع الحداثيين، وفيها عاد التجريبيون الذين بدأوا كذلك إلى الواقعية، وقفز بعض الذين بدأوا بالواقعية إلى التجريبية والرمزية، وفيها توقف من توقف عند مجموعته الأولى واستمر من ً في فضاءات الأجيال الثلاثة ، وفيها حققت القصة السعودية القصيرة حضورها العربي استمر محلقا المميز، وحققت النضج والتنوع والغزارة في الإنتاج حتى إننا لنفاخر اليوم بأن عدد المجموعات القصصية يتجاوز ستمائة مجموعة. ولكي نقف على بعض خبايا هذه المرحلة، ونتعرف على أبرز خصائصها: لا بد من الإطلالة على محطاتها الثلاث ، وأجيالها الثلاثة لنعرف خصائص كل جيل، وأبرز كتابه، وتداخله مع الأجيال الأخرى.
 1ـ جيل أواخر السبعينات: يمثل جيل أواخر السبعينات: (محمد علوان، وحسين علي حسين، وجار االله الحميد، وعبد العزيز المشري) نقطة تحول كبرى في مسيرة القصة القصيرة في السعودية، ففي عام ( 1977م) صدرت مجموعة ً (الخبز والصمت) لمحمد علوان، التي قدم لها أحد كبار القاصين العرب وهو (محمود تيمور)، مبديا إعجابه الكبير بها،إذ رآها ممثلة للقصة الحديثة خير تمثيل بتمردها على الأطر التقليدية للقصة القصيرة، وكسرها للتسلسل الزمني الرتيب، وقلة اهتمامها بالحكاية وتركيزها على الشعور، والنظر إلى الداخل لا إلى ً إلى المكان، وبما حملته الخارج ، وتغير نماذج البطولة فيها من الفرد إلى المجموع، ومن الإنسان أحيانا من غربة وتشاؤم وقلق وحيرة، وقتامة وسوداوية تعكس روح العصر، وتشير إلى تأثر واضح بالكتابات ً ً وعالميا .  الحديثة السائدة إذ ذاك عربيا ً في الساحة الأدبية المحلية التي لم تكد تألف القصة القصيرة ً هائلا لقد أحدثت هذه المجموعة دويا المحققة لبنيتها الفنية حتى فاجأها (محمد علوان) بمجموعته الجديدة (الخبز والصمت) التي سعت إلى كسر ً، تتعدد داخله الأصوات، وتتناثر البنية التقليدية – ً فانتازيا وأسطوريا ً – فإذا به يشكل عالما ً ومضمونيا فنيا فيه الأحداث، ويتشظى الزمن، ويغلفه التداعي الشعري، ويقدم شخصيات قلقة متشائمة تثقلها الغربة . الروحية، ويحاصرها اليأس والإحباط وتبعه (حسين علي حسين) مصدرا 1978م)، التي جاءت مثقلة ً مجموعته الأولى: (الرحيل عام ً بالحزن والتشاؤم، يعاني أبطالها غربة داخلية، ويبدون مهزومين مأزومين مقهورين، غريبين، يشبهون أيضا إلى حد كبير بعض شخصيات (كامي وكافكا)، ولذلك فإن أغلب شخصياته إما منكفئة على ذاتها تعبر عن معاناتها عبر تيار الوعي – من خلال الحديث النفسي، أو المناجاة، أو الحوار الداخلي – ٕ واما حيادية  لا مبالية تشعر بتفاهة الحياة ولا جدواها .
 مجموعته الأولى (موت على الماء) حاملة مشاعر الغربة ثم تبعهما (عبد العزيز المشري) مصدرا والانكسار والملل والإحساس برتابة الحياة، وموغلة في التجريد، والتشكيل اللغوي الشعري، الذي كساها ً – وجعلها أقرب إلى اللوحات السريالية التي يحار الناظر إليها، ولا يستطيع ً للمعنى أحيانا ً – مفقدا غموضا .  فهمها في أغلب الأحيان ً جار االله الحميد مجموعته الأولى: (أحزان عشبة بحرية) وفي العام نفسه ( 1979م) أصدر أيضا فجاءت كسابقاتها في لغتها الشعرية المكثفة، وتشكيلها التجريدي الرمزي، وغموضها المنبئ عن إحساس .  عميق بالغربة تمثل في رحيل الشخصيات تارة، أو في عزلتها الموحشة تارة أخرى ً فالتمرد على الأطر التقليدية، وكسر النمطية، وتشظي الزمن، والتداعي الحر، والغوص في إذا أعماق الشخصية، وفقدان الهوية، والإحساس بالضياع، والتمزق والحيرة والقلق والغربة هي أهم ما يميز نتاج هذا الجيل ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: من أين جاء هذا الجيل بكل هذا الحزن والتشاؤم والقلق والتمزق، وهم ظهروا في مرحلة الطفرة المادية التي أحدثت أكبر نقلة حضارية في بلادنا، كيف حدث هذا الأمر في هذه الفترة القصيرة، وبهذه الصورة المفاجئة؟ كيف انتقلت القصة القصيرة في السعودية من طورها ً ٍ حتى وصلته إلى طور جديد ينقض كل ما سبق ويتمرد على كل ما البنائي التقليدي الذي تعبت طويلا بني؟ لقد حاول النقاد الإجابة على هذا السؤال، وفك طلاسم هذه الحيرة، مشيرين إلى أن نتاج هذا الجيل جزء من نتاج أقرانهم في العالم العربي، وهو انعكاس لحالة التمزق والألم والهزيمة التي يعيشها العرب منذ ُ نكسة ( 1967 من تلك التيارات والمذاهب الأجنبية: (الوجودية والسريالية والعبثية ◌ُ م)، كما أنه جزء .  والتكعيبية والتجريبية) التي تأثر بها أدباء العالم العربي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى وقتنا الحالي وربما تشير محاولة تفسير هذه الظاهرة لدى جيل السبعينات إلى تأثرهم بما حولهم من تيارات أدبية، وكتابات حداثية، وتفاعلهم معها، الأمر الذي أدى إلى انعكاسها في نتاجهم. ومع ذلك فقد بقي التساؤل ً ٍ ومنذ وقت مبكر، يقول الدكتور(منصور الحازمي):(فإذا ما ◌ُ ً حتى لدى الذين أجابوا عليه سابقا قائما تساءلنا بعد ذلك عن هذه (الحداثة)، وهي مظهر من مظاهر الرفض والاغتراب والهزيمة، كيف انتقلت إلى المملكة؟ ولماذا؟ وكيف نوفق بين اليقين وعدم اليقين، بين العقل واللاعقل، بين المنطق ً. لقد صادف ورود الحداثة ً شافيا والعبث، بين المحافظة والتمرد، بين البناء والهدم؟ لم نجد جوابا َ في كل تاريخها الطويل، من حيث لدينا ـ أوائل السبعينات ـ بداية فترة مزدهرة، ربما لم تشهد لها البلاد مثيلا النمو الاقتصادي والتوسع العمراني والازدهار التجاري، وزيادة الدخل ، والرفاه الذي عم الكثيرين إلى حد ً في أدب الامتلاء، والترف، فكيف يتوافق ذلك كله مع نغمة الرفض وحالة التشاؤم التي نواجهها دائما الشبان (الحداثيين)؟ لقد طرحت الكتورة فاطمة موسى مرة هذا التساؤل وهي تتابع هذه الحالة في القصة ً القصيرة السعودية: (هل يتوافق الكاتب – فحسب – من هذا المجتمع لا مع تقليد أدبي أم أنه يصور جانبا أستطيع أنا بوصفي غريبة أن أراه؟) وتتساءل متعجبة: (ولكن أين هذه المدينة النظيفة الحديثة والبنايات الشاهقة والأسواق الزاخرة بالسلع، والناس الحسنو التغذية، الحسنو المظهر الذين أراهم حولي دائما يشكلون مادة ملائمة للأدب؟) وتعيدنا الدكتورة فاطمة موسى إلى نفس السؤال السابق، هل الحداثة مجرد تقليد أدبي أم أنها تعبير  حقيقي عن واقع معاش" ومهما يكن الأمر، ومهما تكن أسباب هذه الروح المثقلة بالغربة، القلقة المتشظية المسيطرة على ً جديدة وأن ً – فإنهم استطاعوا أن يفتحوا للقصة السعودية القصيرة آفاقا ً ومضمونيا نتاج هذا الجيل – فنيا يوصلوا صوتها إلى العالم العربي الذي بدأ في الاعتراف بأدبنا المحلي من خلال هذا الجيل.
جيل الثمانينات: لم تكن الثمانينات بعيدة عن أواخر السبعينات لذلك فإن أغلب الكتاب الذين ظهروا في السبعينات استمروا في الكتابة خلال الثمانينات وأصدروا مجموعات قصصية أخرى خلال هذه الفترة ، فمحمد علوان أصدر مجموعته الثانية ،( الحكاية تبدأ هكذا) في الثمانينات ، وكذلك نشر حسين على حسين مجموعتين أخريين هما (ترنيمة الرجل المطارد) ، و(طابور الميا ه الحديدية ) خلال هذه الفترة الزمنية ، وأصدر جار االله الحميد مجموعة أخرى هي ( وجوه كثيرة أولها مريم ) ، وأصدر عبد العزيز مشري ثلاث مجموعات في الثمانينات هي :(أسفار السروي) و(بوح السنابل) و (الزهور تبحث عن آنية) ، وأصدر إبراهيم الناصر مجموعة: (غدير البنات) وأصدر عبد االله الجفري مجموعة: (الظمأ) وأصدر غالب حمزة أبو الفرج ثلاث ً من الكتاب الذين نشروا نتاجهم القصصي في الصحافة أواخر مجموعات قصصية، وكذلك فإن عددا السبعينات أصدروا أوائل مجموعاتهم القصصية في الثمانينات أمثال : عبد االله السالمي ، وعبد االله باقازي ، وعلوي الصافي ، وسباعي عثمان ، ومحمد الشقحاء ، ومحمد علي قدس ، وحجاب الحازمي ، وعاشق الهذال ، ولطيفة السالم ، وخيرية السقاف ، وعلى حسون ، ومحمد صادق دياب ، وعبداالله باخشوين ، وظهرت في مرحلة الثمانينات كثير من الأسماء الجديدة الذين نشروا نتاجهم بداية في الصحف والمجلات ، ثم جمعوها في مجموعات قصصية صدرت خلال الثمانينات ، ومنهم : محمد الشقحاء، حسن النعمي، وعبده خال، وخالد اليوسف، وخالد باطرفي، ورقية الشبيب، وصالح الأشقر، وسعد الدوسري، وجبير الملحيان، وأحمد الدويحي، وفهد العتيق،وعبد االله العتيق ، وعبدالعزيز الصقعبي ، وشريفه الشملان ، ومريم الغامدي ، وغيرهم. والمتأمل للقصة القصيرة خلال الثمانينات سيخرج بمجموعة من الملحوظات التي يمكن إجمالها في النقاط :  الآتية ً: غزارة الإنتاج ، إذ صبت ثلاثة أجيال إنتاجها خلال هذه الفترة وصحافة الثمانينات بكل ما  أولا حملته من نصوص ودراسات وحوارات ، ومراجعات للمجموعات الصادرة خير دليل على غزارة المنتج خلال الثمانينات ، إضافة إلى أن المجموعات القصصية التي صدرت خلال هذه الفترة أضعاف ما أنتج خلال المراحل السابقة كلها . - 13 - ً: تجاور الأجيال والاتجاهات ، وتنوع التجارب ، فالتجربة الحديثه التي أسسها علوان ورفاقه ثانيا أواخر السبعينات وجدت لها مناصرين ومنتجين خلال الثمانينات أمثال عبد االله السالمي وسباعي عثمان ، وعبد االله باخشوين ، وحسن النعمي ، وعبده خال ، وصالح الأشقر، وسعد الدوسري ، وأحمد الدويحي ، وجبير المليحان ، وفهد العتيق ، وغيرهم ، ممن ظهر في كتاباتهم الحرص على التجريب والسعي إلى تقديم تجربة قصصية حديثه ، ويمكن إجمال خصائص تجربتهم القصصية الحديثه ـ على مابينهم من تفاوت ـ في بعض النقاط : ٕ عادة صياغتها من خلال إسقاط الماضي على أ ـ الاتجاه إلى توظيف الأسطورة الشعبية ، وا الحاضر ـ بطرائق فنية جديدة ومتنوعة . ب ـ التأثر الواضح بالتيارات الحديثة ( كالسريالية والرمزية وغيرها ) من خلال مزج الواقعي بالفانتازي الذي يبتكره من خياله في اقتراب مما يسمى بالواقعية السحرية التي عرفت في أدب أمريكا اللاتينية. ج ـ الاعتماد على الرمز ، والتقنية السينمائية ، وممارسة التجريب وخوض غمارأكثر من شكل فني ، وهي خاصية مشتركة لديهم بل إن الواحد منهم ليجرب أكثر من شكل فني ، ويقدم أكثر من مدرسة في مجموعة واحدة . د ـ إهمال البنية التقليدية ، وتهميش عناصرها البنائية بسبب الحرص على شعرية اللغة باعتبارها ً من أهم عناصر التجربة الحديثة. عنصرا ً ٕ لى الحفاظ على البنية التقليدية للقصة ، فقد وجدت أيضا أما التجربة التقليدية الميالة إلى الواقعية وا خلال هذه المرحلة من يتبناها وينتج في ضوئها أمثال خليل الفزيع ، وعلوي الصافي وعبداالله باقازي ـ مع ميل لترميز الواقع ـ وعمر طاهر زيلع ، وحجاب الحازمي ، ومحمد علي قدس ،ومحمد صادق دياب ، وعاشق الهذال ، ولطيفة السالم ، وخيرية السقاف ، وعلي حسون، وغيرهم. ً: ظهور حركة نقدية موارة خلال الثمانينات، على صفحات الصحف والمجلات، ومن خلال ثالثا الإصدارات النقدية ، فقد كانت الصحف تحتفي بكل مجموعة قصصية جديدة تصدر، ويتسابق ً إلى الكتابة عنها فما كان يخلو الإعلاميون إلى الكتابة عنها واستعراضها ، ويتداعى النقاد أيضا ملحق ثقافي في صحافتنا أو مجلاتنا خلال تلك الفترة من دراسة نقدية أو عرض لمجموعة قصصية. ظهرت خلال الثمانينات أهم الدراسات النقدية عن القصة القصيرة ومنها:دراسة الدكتور: منصور الحازمي(فن القصة في الأدب السعودي الحديث) عام 1981م ، ودراسة الدكتور الأستاذ سمحي الهاجري : (القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية) عام ( 1987م) ، ودراسة الدكتور محمد صالح الشنطي: (القصة القصيرة المعاصرة في المملكة العربية السعودية ـ دراسة نقدية ) عام ( 1987م)هذا بالإضافة إلى - 14 - تسجيل عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات السعودية عن القصة القصة القصيرة في السعودية . ً من الكتاب الذين بدأ وا تجريبين مغامرين بين أواخر السبعينات وأوئل الثمانينات في ً: أن كثيرا رابعا مجموعاتهم الأولى عادوا إلى الواقعية في إصدار تهم التالية ، وتخلوا عن شعريتهم المفرطة ، ولغتهم الموغلة في التكثيف والرمزية ، وهذا ماحدث في مجموعة ( محمد علوان ) الثانية ( الحكاية تبدأ هكذا) ومجموعة جاراالله الحميد الثانية ( وجوه كثيره أولها مريم) ، ومجموعات عبدالعزيز مشري (أسفار السروي، وبوح السنابل، والزهور تبحث عن آنية) وكذلك فعل حسن النعمي في مجموعته الثانية والثالثة ، وكذلك فعل عبده خال في مجموعاته التالية لمجموعته الأولى . حتى إن تكرار هذا الفعل عند أكثر الكتاب يثير مجموعة من الأسئلة المهمة هو: لماذا بدأ أغلب كتابنا تجريبيين ثم عادوا واقعيين؟ أهو إعجابهم الشديد ـ من خلال قراءتهم ـ بالتجربة الحديثة وتأثرهم بها ً ظهرت معالمه واضحة في أعمالهم الأولى ، ثم تبين لهم بعد ذلك أن واقعهم يعج بقضايا ً كبيرا تأثرا ً واعتدالا ففعلوا ذلك دون أن يتخلوا عن جماليات القصة ومشكلات تحتاج إلى معالجة فنية أكثر قربا ً في الأعمال الأولى التي يحرص فيها وفنياتها ؟ أم هي الرغبة في إثبات الذات ،ولفت الأنظار، خصوصا ً بأدبيته وفنيته ، ولذلك حرص أغلب كتاب القصة الكاتب على إبراز قدراته الكتابية لينتزع من القارئ اعترافا ّوا في سبيل ذلك عناصر القص الأخرى ثم اكتشفوا بعد صدور أعمالهم الحديثة على شعرنة اللغة ، فغيب الأولى أن اللغة ليست هي العنصر الوحيد في القصة ، وأن هناك عناصر أخرى لا تقل أهمية عنها ، فعادوا للحفاظ على العناصر البنائية الأخرى ، راجعين إلى واقعهم وجمهورهم الذي فقد التواصل معهم في مجموعاتهم الأولى بسبب الغموض والضبابية التي كستها؟! أم هي الرغبة الجامحة في إثبات الانتماء إلى التيارات الحديثة ، ومحاربة القديم- فقط لأنه قديم ـ وهو أمر طبيعي يشعربه الكتاب في بداياتهم ، ثم لا يلبثون حتى يتنازلون عن هذا الشعور؟! ومهما تكن ً الأسباب فإن هذا الجيل قد أفاد من كل التيارات وانعكس ذلك على إنتاجهم خلال فترة الثمانينات نضجا .ً ً وازدهارا وتنوعا 3ـ جيل التسعينات : لا يختلف جيل التسعينات كثيرا عن جيل الثمانينات ، فكثير من الذين صدرت مجموعاتهم الأولى في التسعينات بدأوا أصلا في نشر قصصهم في الصحافة خلال الثمانينات أمثال : أحمد يوسف ، ومحمود تراوري ، وحسن حجاب ، وعبداالله التعزي ، وفهد المصبح ، وناصر الجاسم ، وعبدالحفيظ الشمري وعبداالله السفر ، وظافرالجبيري ، وبدرية البشر ، وأميمة الخميس ، ونورة الغامدي ، ومحمد منقري ، وغيرهم ، لذلك فهم امتداد لجيل الثمانينات بل هم جزء من ذلك الجيل فعبده خال أصدر بعد مجموعة الأولى ثلاث مجموعات أخرى ، وكذلك يوسف المحميد ، وحسن النعمي ، وعبدالعزيز الصقعبي ، وفهد - 15 - العتيق ، وفهد المصبح ورقية الشبيب ، وشريفة الشملان وغيرهم ، ولأن جيل التسعينات امتداد لجيل الثمانينات فإن ماقلناه عنهم يمكن أن ينطبق على جيل التسعينات الذين استمروا في مواصلة إنتاجهم ونشر معظمهم أكثر من مجموعة قصصية ، ومازلوا يواصلون إنتاجهم حتى الأن. وداخل أعمال هذا الجيل ً ، فنجد التجربة الحديثة إلى جوار التجربة التقليدية وتتجاور المذاهب الفنية ، فبعض تتنوع التجارب أيضا كتاب هذا الجيل ينحو إلى الواقعية كأحمد اليوسف ، وحسن حجاب وبدرية البشر ، وبعضهم يمزج بين الواقعية المتلبسة بالرمزية كيوسف المحميد ومحمود تراوري وعبداالله التعزي ، وفهد المصبح ، وناصر الجاسم . بل إن المجموعة الواحدة أحيانا تضم أكثر من تجربة ، وتنتمي إلى أكثر من مذهب لكنهم كانوا أقل من سابقيهم من حيث المبالغة في التجريب ، وبدوا أقرب إلى التحديث المتوازن . وقد لحق هذا الجيل بقليل من الوهج الإعلامي المركز على القصة القصيرة ، فحازت أعمالهم على ً ً إلى نفسه بريقا كثير من الدراسات النقدية ، وسلطت عليهم الأضواء ، وبعضهم تحول إلى الرواية مضيفا آخر ، مثل عبده خال ، ويوسف المحيمد ، وبدرية البشر ، ونورة الغامدي ، وعبداالله التعزي، ومحمود تراوري ، وعبداالله الحفيظ الشمري . * * * وبعد: فهذا مدخل تاريخي أردت من خلاله لم شتات الكتابات المجزأة عن رحلة القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية خلال القرن العشرين (منذ نشأتها عام 1926م حتى عام2000م) في متن واحد ً ـ في يتيح للقارئ فرصة التعرف على مراحل تطورها ، وأبرز أعلامها، وخصائص كل مرحلة ، مراعيا حدود الإمكان ـ الإيجاز غير المخل بما يتوافق مع فكرة المدخل التاريخي الساعي إلى منح فكرة عامة ومركزة وهو ما أرجو أن تحققه.

القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية خلال القرن العشرين ( المرحلة الاولى )

المرحلة الأولى: البدايات
قبل الحديث عن بدايات القصة القصيرة في السعودية لابد من إلماحة عجلى إلى الحركة الأدبية الحديثة في المملكة العربية السعودية التي يرى عدد من الباحثين وفي مقدمتهم الدكتور منصور الحازمي أن بدايتها الفعلية كانت مع بدايات العهد السعودي في الحجاز من ( 1344هـ / 1924م إلى 1365هـ/1945م) إذ تمثل هذه الفترة الولادة الحقيقة للأدب الحديث في بلادنا لما واكب ذلك العهد من انفتاح تدريجي على العالم الخارجي، ووضع الأسس لنهضة فكرية وعمرانية شاملة، ونشر للتعليم، وتشجيع للصحافة وفتح مساحات أوسع لحرية التعبير، أما في أواخر العهد العثماني، وطيلة العهد الهاشمي فقد كانت البلاد تعيش فيما أصطلح عليه بمصطلح عصور الضعف، ولم يحتل الأدب مكانة تذكر في صحافة ً ً، وخلال العهد الهاشمي كان الأدب مشغولا ً أعجميا هذين العهدين، فخلال العهد التركي كان الأدب غريبا .  بالسياسة ً مصر لقد وجد أدباؤنا أنفسهم بعيدين بمسافات عن أقرانهم في البلاد العربية المجاورة، خصوصا والشام، ووجدوا هذا العهد السعودي الجديد يفتح أمامهم الأبواب المغلقة، ويتيح لهم حرية لطالما حلموا بها خلال العهود السابقة،ويشجع الصحافة ، وينشر التعليم ؛ فبدأوا بأخذ زمام المبادرة وهم يتنادون باسم ً، فملؤا الصحف بكتاباتهم الأدبية، وسعوا إلى التاريخ لهذا الأدب رغم ضآلة الأدب، ويحمس بعضهم بعضا محتواه وقصر امتداده الزمني، وتسابقوا في عرض نتاجهم على بعض أساطين الأدب في مصر والشام ليحصلوا على اعتراف به، وهكذا فتح العهد السعودي الجديد مساحات واسعة أمام الأدباء، فأتيح لهم نشر لمحمد  لمحمد سرور الصبان، و(خواطر مصرحة) إنتاجهم إما على شكل كتب، مثل:( أدب الحجاز) ٕما من خلال الصحف التي صدرت وكانت ذات هوية  حسن عواد، و(المعرض) لمحمد سرور الصبان وا أدبية مثل صوت الحجاز، والمنهل، والمدينة المنورة وغيرها، وقد أتاحت الصحافة دخول فنون جديدة .  كالمقالة والقصة بعد أن كان الشعر هو المسيطر ـ2ـ إذن فقد ولدت القصة القصيرة في هذه المرحلة ـ مرحلة ما بين الحربين العالميتين ـ في أحضان الصحافة، ولكنها ولادة متعثرة ومولود خداج لم يكتمل نموه، ولم تتضح ملامحه كما يشير إلى ذلك جل .  الباحثين الذين تحدثوا عن بدايات القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية  
ولعل أشهر المحاولات القصصية وأولها: (على ملعب الحوادث) لعبد الوهاب آشي التي نشرت في كتاب (أدب الحجاز) الذي جمعه محمد سرور الصبان، ونشره عام ( 1926م) وفيها يصور وطنه الحجاز على هيئة فتاة جميلة تتحدث إلى أبيها الشيخ المتهدم وتعني به التاريخ أو الماضي تشكو إليه بؤس الحاضر، وتتحسر على الماضي الجميل الذي بناه السلف وهدمه الخلف بأسلوب مثقل بالسجع على غرار لغة المقامات وأسلوبها. ويتزامن مع هذه المحاولة محاولتان أخريان لمحمد حسن عواد نشرتا في كتابه (خواطر مصرحة) الأولى بعنوان : (الزواج الإجباري) ، والثانية بعنوان : (الحجاز بعد 500سنة)، حاول في الأولى الدعوة ً من خلال أحداث القصة إلى ضرورة التحري عن المقدم على الزواج قبل إلى إصلاح أمور الزواج ملمحا الارتباط، فالفتاة التي زوجها والدها لأول خاطب دون أخذ رأيها اكتشفت بعد زواجها بأن زوجها متفلت، ويرى الدكتور  كثير السهر والغياب عن البيت مما أدى بها إلى الانحراف والوقوع في الرذيلة ثم الانتحار الحازمي أن هذه القصة تخلو من المعالجة الفنية، ويبدو أن العواد تأثر ببعض القصص العربية أو المعربة ذلك لأنها بعيدة كل البعد عن البيئة الحجازية التي أراد أن يصلح بعض عيوبها، فلعب البلياردو لم يكن ً في تلك الفترة ً أو واردا . معروفا أما محاولة العواد الثانية (الحجاز بعد 500سنة)، فهي قصة خيالية على هيئة رسالة تبعث بها فتاة في الثامنة عشرة من عمرها اسمها (ساعدة) تعمل رئيسة معمل الزجاج بجدة الجديدة إلى أخيها في مدينة الوئام التي تبعد عن مكة 160كم، وفيها يتنبأ الكاتب بازدهار حضاري كبير في الحجاز بعد خمسة .  قرون ومن هذه المحاولات قصة (الابن العاق) لعزيز (10) وتوالت المحاولات بعد ذلك قليلة ومتباعدة ضياء التي نشرت في صحيفة صوت الحجاز عام( 1351هـ / 1933م)، وقصة ( في الراديو) لأحمد ً في (صوت الحجاز) عام( 1354هـ / 1935م)، وقصة (عقل عصفور) لمحمد السباعي ونشرت أيضا ً في صوت الحجاز عام ( 1355هـ/ 1936م) وقصة (حياة ميت) لحسين حسن كتبي ونشرت أيضا سرحان، التي نشرت في صحيفة (صوت الحجاز) عام ( 1355هـ/ 1936م) ، وقصة (رامز) لمحمد سعيد العامودي التي نشرت في صحيفة (صوت الحجاز) عام ( 1355هـ / 1937م)، وحنفشعيات حمزة شحاته ً في صحيفة صوت الحجاز والتي يرى الدكتور: منصور عن حماره التي كان ينشرها خلال هذه الفترة أيضا الحازمي أنها أنضج ما نشر في تلك المرحلة من المحاولات القصصية التي اتخذت من الحيوان وسيلة لنقد الإنسان. ً التي نشرت في تلك الفترة، قصة "رجل من الناس" لحسين سرحان وقد ومن المحاولات أيضا ً في نشرت في المنهل عام( 1356هـ /1937م) ، وقصة (الميراث) لمحمد سعيد العامودي ونشرت أيضا (المنهل) عام (1356هـ /1937م)
وقد ظهر في هذه المرحلة أربعة كتاب مهمين اثنان منهما من الوافدين إلى المملكة، وهما أحمد رضا حوحو من الجزائر، ومحمد عالم الأفغاني من بلاد الأفغان والآخران سعوديان وهما "محمد أمين يحيي"، و"محمد علي مغربي" ولعل ما يجعلهم من الكتاب المهمين في هذه المرحلة، أن كتاباتهم القصصية ً من مفهوم القصة القصيرة، وأكثر عناية بعناصرها البنائية ٕ ن لم تصل إلى القصة كانت أكثر قربا وا الفنية المكتملة ـ كما أنهم لم يكتفوا بعمل واحد أو عمليين ، بل نشروا أكثر من ذلك مما يدل على أن القصة القصيرة كانت خيارهم الأدبي الذي اختاروه، وأرادوا أن يبرزوا فيه. فأحمد رضا حوحو نشر إحدى عشرة قصة في مجلة (المنهل) ابتداء من عام ( 1356هـ وحتى عام 1360هـ) ، وهي على التوالي (الانتقام ، نبل، ابن البحيرة ، الأديب الأخير، الضحية ،جريمة حماه، ، ومحمد عالم الأفغاني، نشر أربع  الكفاح الأخير، أدباء المظهر، صنيعة البرامكة، الواهم، فاتح) قصص في مجلة (المنهل) ابتداء من عام( 1358هـ) حتى(1360هـ) وهي علي التوالي: (الثأر، طائران . ( إلى القمر، عودة سعيد، صورة من خيال الصيف في المدينة المنورة) ً من القصص خلال هذه المرحلة وهي (الوفاء) ونشرت في جريدة ومحمد أمين يحيي نشر عددا (صوت الحجاز) عام ( 1356هـ) و(العيد) نشرت في جريدة (المدينة المنورة) عام ( 1356هـ) ، (ودموع السعادة) ونشرت في مجلة (المنهل) عام ( 1357هـ) ، و(دموع العيد) نشرت في مجلة (المنهل) عام ً من القصص، منها (المترهبة) نشرت في مجلة (المنهل) (1359هـ) وكذلك نشر محمد علي مغربي عددا عام( 1357هـ) و(الوفاء) ونشرت بعد شهر من نشر القصة السابقة في جريدة (صوت الحجاز) و(اعتراف) التي نشرت في (المنهل) عام ( 1358هـ) و(ملابسه المسروقة) التي نشرت في (المنهل) عام (هـ1358) (14) . هذه أبرز المحاولات القصصية التي نشرت في فترة ما بين الحربين العالميتين . والناظر في هذه المحاولات القصصية يتبين له ما يلي: ـ ً عبر صحيفة (صوت ً أولا : أن أغلب هذه المحاولات القصصية نشرت في الصحافة وخصوصا الحجاز) ومجلة (المنهل) وبذلك فهما أهم مصادر القصة القصيرة في مرحلة النشأة. ً: مشاركة أغلب الأدباء السعوديين في تلك المرحلة على اختلاف فنونهم التي يبدعون فيها في ثانيا الكتابة القصصية وهم في الغالب لا يعرفون أصولها الفنية ولا قواعدها التقنية، وكأن المسألة بالنسبة لهم ٕ ثبات لحضور هذا الفن في أدبهم وحضورهم فيه أسوة بالأدب والأدباء في كانت مجرد إثبات للذات، وا البلدان العربية المجاورة التي سبقتهم إليه ؛ لذلك سنجد الشاعر والمؤرخ وكاتب المقالة وغيرهم، لكل واحد منهم محاولة أو محاولتين قصصيتين خلال هذه الفترة ـ فترة ما بين الحربين ـ وأغلبهم عاد إلى فنه الذي يتقنه وترك القصة . 
 كانت هناك فترات زمنية متباعدة بين المحاولات القصصية المنشورة خلال هذه الفترة، فبعد ثالثا (على ملعب الحوادث) لعبد الوهاب آشي، و(الزواج الإجباري) لمحمد حسن عواد عام ( 1345هـ / 1926م) مر زمن طويل لتبدأ بعده المحاولات المتصلة عبر صحيفة صوت الحجاز بقصة (الابن العاق) لعزيز ضياء عام( 1351هـ) وبعدها سيحمل كل عام قصة واحدة أو قصتين على الأكثر حتى نصل إلى ً، ويصبح هناك نوع من التتابع عام(1355هـ) هو العام الذي صدرت فيه مجلة المنهل ليزداد العدد قليلا القريب في نشر القصص القصيرة. وهذا يشير إلى بطء حركة القصة القصيرة في تلك الفترة، وربما كان هذا البطء في الحركة، ، من أهم العوامل التي أخرت تطور القصة القصيرة فترة طويلة على الرغم من البداية المبكرة لها؛ ولعل ذلك راجع إلى مكانة القصة نفسها، فقد كان الفن القصصي كما يقول الدكتور (( يعيش في بلادنا في مرحلة ما بين الحربين على هامش الأدب كما هو حاله في معظم  الحازمي: البلدان العربية، كان الشعر سيد الفنون لأسباب تاريخية، والمقالة مادة الخطاب الإعلامي، فارتقى الشعر وتقدمت المقالة، وانزوت القصة مهملة في ثياب رثه لم يسأل أحد عنها إلا قلة من المحسنين ـ كعبد القدوس الأنصاري وأحمد رضا حوحو ـ الذين شعروا بأهميتها لا كفن أدبي متميز ، بل كوسيلة مؤثرة في .  تليين القلوب وفي بث النصح وتقديم المواعظ)) رابعا : على الرغم من تميز بعض هذه المحاولات الأولى واقترابها بصورة أكبر من مفهوم القصة ً ◌ ً في كتابات أحمد رضا حوحو، ومحمد عالم الأفغاني، ومحمد أمين يحيي، ومحمد علي القصيرة، خصوصا مغربي، ومحمد سعيد العامودي فإن السمة الغالبة على مجمل الإنتاج خلال هذه المرحلة، هي غلبة المضمون على الجانب الفني، إذ حاز المضمون على اهتمام الكتاب بصورة أكبر مما لقيه الأسلوب القصصي والبناء الفني ـ كما يقول الدكتور محمد الشامخ ـ ولعل ذلك راجع إلى مجموعة من الأسباب يأتي في مقدمتها سيطرة الهدف الإصلاحي على كتابها، فكثير منهم كان ينظر إلى القصة على أنها وسيلة .  حديثة يجب أن تستغل لتحقيق هذا الهدف التربوي في المجتمع هذا بالإضافة إلى أن أغلب الكتاب خاضوا غمار هذه التجارب متأثرين بمحصولهم القرائي القليل في هذا الفن ـ في تلك الفترة ـ دون أن يتعرفوا على أدوات القصة القصيرة الفنية، وطرائقها وأساليبها، وقد كانت في تلك الفترة ما تزال في بداياتها حتى في مراكز الثقافة العربية كمصر والشام؛ ولذلك فإن الضعف الفني الذي صحب تجاربهم كان مصدره ضعف المعرفة وضعف الخبرة، كما أن غياب النقد الفني العارف بأصول هذا الفن، الذي يحاور النصوص ويقف على مواطن القوة والضعف فيها ويوجه الكتاب إلى ذلك في أعمالهم، ويربط إنتاجهم بأصول هذا الفن ـ هذا الغياب النقدي ـ أسهم في أن تظل تلك الكتابات القصصية خلال فترة ما بين الحربين أسيرة المحاولات المتعثرة،وغير قادرة على التطور، وتجاوز مرحلة . التجربة إلى طور أكثر فنية .

الخميس، 7 أبريل 2016

عبد الله بن محمد الدوسري

عبد الله بن محمد بن خميس البدراني الدوسري (1339 هـ/1919 م-1432 هـ/2011 م) من بلدة الافلاج لكنه عاش وتربى فـ الدرعيه شاعر الفصحى والنبط أحد أدباء الجزيرة البارزين، وأحد باحثيها معنيين بآدابها ومعالمها، وأديب سعودي.
حياته : ولد عام 1339 هـ - 1919 م بقرية الملقى وهي إحدى قرى الدرعية (بمنطقة الرياض - المملكة العربية السعودية)وفي سن الطفولة انتقلت أسرته إلى الدرعية وبها تعلم مبادئ القراءة والكتابة ولازم والده الذي كان على جانب لابأس به من العلم خصوصا في التاريخ والأدب الحديث وكان والده يعمل في النخيل، ومع ذلك لم تشغله المزرعة عن الاستفادة من والده وغيره فقرأ كثير من كتب التاريخ والأدب والشريعة، وحفظ أجزاء من كتاب الله الكريم، ثم أدركته حرفة الأدب فأنكب على دراسة أمهات كتبه وبدء يشدو في نظم الشعر وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وكانت هذه دراسته الأولى التي تلقاها، دراسته:- في عام 1364 هـ - 1944 م حينما أنشئت مدرسة دار التوحيد بالطائف التحق بها فبرز في الفنون التي سبق له الدراسة فيها وشارك مشاركة جيدة في الفنون الأخرى لذلك كان رئيس النادي الأدبي في دار التوحيد مدة دراسته بها، وبعد أن نال شهادة الدار الثانوية عام 1369 هـ - 1949 م التحق بكليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة, وبرز نشاطه الأدبي شعرا ونثرا على صفحات الصحف والمجلات ولمع اسمه هناك.وتتلمذ على أيدي الكثير من المشائخ من أبرزهم الشيخ عبد الله الخليفي، الشيخ عبد الله المسعري، الشيخ مناع القطان، الشيخ محمد متولي الشعراوي وغيرهم من علماء الأزهر الذين قاموا بتدريسه في دار التوحيد وفي كليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة.ونال شهادة من الكليتين في عام 1373 هـ - 1953 م. توفي يوم الاربعاء 15/6/1432 ه
عمله : في نهاية عام 1373 هـ - 1953 م عين مديرا لمعهد الإحساء العلمي فأبدى هناك نشاط علميا وأدبيا وأداري. وفي عام 1375 هـ - 1955 م عين مديرا لكليتي الشريعة واللغة بالرياض. وفي عام 1376 هـ - 1956 م عين مديرا عاما لرئاسة القضاء بالمملكة العربية والسعودية. وفي عام 1381 هـ - 1961 م صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلا لوزارة المواصلات في المملكة العربية السعودية. وفي عام 1386 هـ - 1966 م عين رئيسا لمصلحة المياه بالرياض. وفي عام 1392 هـ - 1972 م قدم عبد الله بن خميس طلبا للإحالة للتقاعد للتفرغ للبحث والتأليف. عضو في كل من :- - مجمع اللغة العربية بدمشق. - مجمع اللغة العربية بالقاهرة. - المجمع العلمي العراقي. - مجلس الأعلام الأعلى. - مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز. - مجلس إدارة المجلة العربية. - مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر. - جمعية البر بالرياض وهو أول رئيس للنادي الأدبي بالرياض نائبا للأمير سلمان بن عبد العزيز في اللجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي فلسطين. - وفي عام 1379 هـ - 1959 م أصدر مجلة الجزيرة ويعتبر من مؤسسي الصحافة في المملكة العربية السعودية، وفي نجد على وجه الخصوص, وقد تحولت مجلة الجزيرة بعد ذلك إلى جريدة يومية. - وقد مثل المملكة العربية السعودية في عدة مؤتمرات أدبية وعلمية. - وله العديد من المشاركات ألإذاعية والتلفزيونية ومنها برنامجه ألإذاعي الذي استمر لمدة أربع سنوات (من القائل) وبرنامجه التلفزيوني مجالس ألأيمان. - وقد نشرت له الصحافة السعودية والعربية العديد من البحوث والمقالات. - وقد حاز على جائزة الدولة التقديرية في الأدب في عام 1403 هـ - 1982 م - وقد منح وشاح الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في الشخصية الثقافية المكرمة في مهرجان الجنادرية السابع عشر وذلك عام 1422 هـ - 2002 م - وقد حصل على وسام تكريم وميدالية من مجلس التعاون الخليجي في مسقط عام 1410 هـ - 1989 م. - وقد حصل على وشاح فتح وميداليه من منظمة التحرير الفلسطينية. - وقد حصل على وسام الشرف الفرنسي من درجة فارس قلده إياه الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران). - وقد حصل على وسام الثقافة من تونس قلده إياه الرئيس الحبيب بورقيبة. - وشهادة تكريم من أمير دولة البحرين صاحب السمو الشيخ / عيسى بن سلمان آل خليفة بمناسبة الاحتفاء برواد العمل الاجتماعي من دول الخليج وذلك عام 1407 هـ - 1987 م. - وقد حصل على العديد من الجوائز والميداليات في والشهادات والدروع في محافل ومناسبات عديدة. - مثل المملكة العربية السعودية في عدة مؤتمرات أدبية - وله العديد من المحاضرات داخل وخارج المملكة - وله العديد من المشاركات الإذاعية والتلفزيونية ومنها برنامجه الإذاعي الذي أستمر لمدة أربع سنوات (من القائل) - وكان الشعر من أهم الجوانب في حياته الاجتماعية فينظم الشعر في أغلب المناسبات الوطنية والعربية والإسلامية وكانت المساجلات الشعرية والإسلاميات والفلسطينيات وشعر الطبيعة والمراثي من أهم قصائده الشعرية - ولأدب الرحلات في حياة عبد الله بن خميس وضع وموقع مهم وقد قام برحلات في شبه الجزيرة العربية كاملة مما يجعلنا أن نجزم (أنه لا يوجد شبرا في الجزيرة العربية لم تطأه قدم عبد الله بن خميس) - وقد قام بزيارة لمعظم البلاد العربية من المحيط إلى الخليج إضافة إلى زيارته لبعض البلدان في آسيا وأوربا وأمريكا الشمالية
كتبه : أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب في الأدب والشعر والنقد والتراث والرحلات، وصال وجال في الصحافة والمنتديات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها، هي:
تاريخ اليمامة سبعة اجزاء
المجاز بين اليمامة والحجاز جزء واحد
على ربى اليمامة جزء واحد
من القائل اربعة اجزاء
معجم اليمامة جزئين
معجم جبال الجزيرة خمسة اجزاء
معجم اودية الجزيرة جزئين
معجم رمال الجزيرة جزء واحد
راشد الخلاوي جزء واحد
الشوارد ثلاثة اجزاء
من أحاديث السمر جزء واحد
الدرعية جزء واحد
شهر في دمشق جزء واحد
محاضرات وبحوث جزء واحد
من جهاد قلم جزء واحد
فواتح الجزيرة جزء واحد
أهازيج الحرب أو شعر العرضة جزء واحد
الأدب الشعبي في جزيرة العرب جزء واحد
بلادنا والزيت جزء واحد
الديوان الثاني جزء واحد
رموز من الشعر الشعبي تنبع من اصلها الفصيح جزء واحد
جولة في غرب أمريكا جزء واحد
تنزيل الايات – شواهد الكشاف جزء واحد
إملاء مامن به الرحمن جزئين
اسئلة واجوبة جزء واحد
وفاته :توفي في يوم الاربعاء 15 جمادى الآخرة 1432 الموافق 18 مايو 2011 بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء.

قصيدة وطن الجمال ...


وطــــنٌ تــوشَّــحَ بـالـجَـمــالِ جــمَـــالا

والـنّــورُ شَـــعّ عــلــى رُبــــاه وجــــالا
وطــــــنٌ تــمــيّــز بـالــفــرائــدِ ذكـــــــره
كــانــتْ ومــــا زالــــتْ هــنــاك مِــثــالا
وطــــنٌ لــــه الـتـاريــخ يـشـهــد أنـــــه
قــــد ضَـــــمّ أمــجـــاداً لـــــه ورجـــــالا
مــنــذ الخـلـيـقـةِ والـجـزيــرةُ ذكــرهــا
يـسْـمُــو ويـعـلــو سـامــقــاً مُـخــتــالا
فالله شــرفـــهـــا بـــبـــيـــتٍ نــــحـــــوه
تـهـفــو الـنـفــوسُ مـحــبــةً وجَـــــلالا
وبـــهـــا نـــبــــيّ لا نـــبــــيّ بـــعــــده
قـــد جـــاءَ يـمـحــو ظـلـمــةً وضَــــلالا
مـنـهــا الـضـيــاء تـفـتـقـتْ قـبـسـاتُــه
لـلـعـالـمــيــن فــأشـــرقـــتْ وتــعـــالـــى
مــلأتْ فـضـاءِ الـكـونِ نــوراً ساطـعـاً
مـــا عـــاد يـخـشــى وحــشــةً و زوالا
مَــــــرّ الـــزمـــانُ وقـــيّـــضَ اللهُ لـــهـــا
عبـدَالـعـزيـزِ لــكــي يُـعــيــد وصـــــالا
مــن قـلـبِ نـجـدٍ أطـلـق الـدعـوةَ كــيْ
يُـقــصــي الـتــفــرّق رفــعـــةً ونَـــــوالا
يــدعــو لـسِـلــمٍ فــيــه شــــرعُ إلـهـنــا
وتــكــاتــفٍ يُــعــلــي بـــــــه الآمـــــــالا
فالـتـفّ حـــول نـدائــه أهـــلُ الـنّـهـى
وغــــدَوا ســواعــدَ تـسـتـحِـث فِــعــالا
ومـضَـوا عـلــى دربٍ بـخـطـوٍ راســـخٍ
قـــــد أرخــصـــوا الأرواح والأمــــــوالا
حـيّـي ملـوكَـكَ أيّـهــا الـوطــنُ الـــذي
أنـجــبــتَ فـرســانــاً غـــــدوا أبــطـــالا
عبدُالـعـزيـزِ وكــــان فــيــكَ مـؤسـســاً
قــــــد وحّــــــد الأركــــــانَ والأحــــــوالا
وأتى سعودٌ كي يسير على الخُطى


وكــــذاك فـيـصــلُ ســابَـــقَ الأعــمـــالا

وأتــاك خـالــدُ يسـتـحـث بـــك الـمُـنـى
وأتــــاك فــهــدٌ كـــــي تـــــرومَ كــمـــالا
وأتـــاك عــبــدُالله مــــن شــهِــدَتْ لــــه
كـــلُّ الـبـقـاعِ ولــــو رأيــــتَ خِــصــالا
مــلـــكٌ لـــــه قــلـــبٌ رحـــيـــمٌ عــــــادلٌ
مـــا حــــاز مـثـلــك مــوطــنٌ أو نــــالا
مـلـكٌ لـهــذا الـشـعـبِ حـضــنٌ دافـــئٌ
قـــــد خــفّـــف الأعــبـــاءَ والأحـــمـــالا
مـلـكٌ يـبـثّ الخـيـرَ فــي كـــل الـرُّبــى
حتـى أفـاضَ عـلـى السّـفـوحِ وســالا
شـتـى المـجـالاتِ اسـتـنـارَ فـضـاؤُهـا
فــي موطـنـي قــد أُشْـعِـلـتْ إشـعــالا
في توْسِعَاتِ الخيرِ في الحرَمين في
نــشـــرِ الــمــعَــارفِ رفـــعـــةً وظِــــــلالا
في الجامعاتِ وفـي العقـول وفكرِهـا
فـبِــهــا سـتــرقَــى لا تــــــرومُ وَبَــــــالا
حتـى الصّنـاعَـةُ قــد تنـامَـى حظُّـهـا
فــاجْــتــاز آثــــــار الـــبـــلادِ وطـــــــالا
عـنـد المـحَـافِـلِ مـوطِـنـي ذو بَـصْـمـةٍ
والـفــعــلُ مــنـــه يُــصـــدق الأقـــــوالا
قد حُـزتَ يـا وطنـي الرّيـادَةَ شامخـاً
تــحــيــا بِـــعـــزًّ واثـــقــــاً مِــفْــضَـــالا
عجـزتْ قوافـي الشعـر أن تنسـجَ مـا
يــــروي مـديـحَــكَ أو يُـطـيــل مــقـــالا
والفـخـر عـنــدي أنـنــي أحـيــا هـنــا
فـــي مـوطــنٍ بـــث الــوئــامَ وِصــــالا
وطــــنٌ لــــه الـتـاريــخُ يـشـهــدُ أنـــــه
قــــد ضَـــــمّ أمــجـــاداً لـــــهُ ورجَـــــالا
وطــــنٌ تــوشَّــحَ بـالـجَـمــالِ جــمَـــالا
والـنّــورُ شَـــعّ عــلــى رُبــــاه وجــــالا

الأربعاء، 6 أبريل 2016

الأدب الحديث في المملكة العربية السعودية - المرحلة الأولى- من بدء الدعوة إلي تأسيس المملكة

المرحلة الأولى
من بدء الدعوة إلي تأسيس المملكة
1- دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب أم الدعوات الإصلاحية - وهي جديرة بأن تكون بداية لازدهار الأدب السعودي في العصر الحديث . 
2- منذ بدأت الدعوة وهي تواجه أعداء - ويجب الرد عليهم - كما يجب توضيح أهداف الدعوة والانطلاق بها على الأسس المستمدة من الكتاب والسنة. 
3- وكان من أنصار الدعوة كثير من الشعراء والخطباء ، والذين انطلقوا بالأدب السعودي إلي أوسع المجالات فيما بعد . 
4- كان أسلوب الأدب في هذه المرحلة أسلوبا تقريريا - تغلب عليه النزعة العلمية - سواء من الناحية التعليمية أم الفكرية . 
5- ولقد كان أسلوب الشيخ محمد بن عبد الوهاب مؤثرا : 
- لتخلصه من التكلف 
- ولصدق العاطفة فيه 
- وإخلاص النية 
- ووضوح الهدف . 

أغراض الأدب في هذه المرحلة : 
1- الدعوة إلي تطهير الإسلام من البدع والخرافات . 
2- تأييد الدعوة والدفاع عنها . 
3- شرح أهداف الدعوة . 
4- الرد على أعداء الدعوة 
5- الأمور السياسية التي يمكن للشعر أن يشارك فيها ، فالدين والدولة شئ واحد . 
وقد ظهرت هذه الأغراض بوضوح في خطب الإمام محمد بن عبد الوهاب وفي شعر ابن مشرف وابن سحمان وابن عثيمين
1- أسلوب خطب الشيخ محمد بن عبد الوهاب : 
1- وضوح الفكرة 
2- سلاسة الأسلوب وسهولته . 
3- السجع غير المتكلف . 
4- الاقتباس من القرآن الكريم 
5- حسن الاستشهاد . 

2- خصائص شعر ابن مشرف : تغلب عليه الصفة التعليمية ، كما في دفاعه عن الإمام ودعوته : شاهد ( 1 ) :

أليل غشي الدنيا أم الأفق مسود
أم الفتنة الظلماء قد أقبلت تعدو
أم السرج النجدية الزهر أطفئت
فأظلمت الآفاق إذا أظلمت نجد
نعم كورت شمس الهدي وبدا الردي
وضعضع ركن للهدي فهو مهند
وفل حسام الدين بل ثل عرشه

فهذه الأبيات تمثل خصائص شعر ابن مشرف ، وهي أسلوب تقريري تعليمي أكثر منه فنية . 

3- خصائص شعر ابن سمحان : 
1- تغلب عليه الناحية الفكرية . 
2- كان يقول في أغراض شعرية كثيرة ، ومما يظهر فيه الجانب الفكري في شعر ابن سمحان قوله يدافع عن الشيخ والدعوة :

نقيم على التوحيد لله ربنا
وندعوه بالإخلاص سراً ونجهر
ونشهد أن الله أرسل أحمداً
أجل الوري قدراً إذا هو يذكر
ولا نعبد الأوثان بل نعبد الذي
له الطول والإحسان والرجز نهجر
نعم لو صدقت الله فيما زعمته
لعاديت من بالله ويحك يكفر
وواليت أهل الحق سرا وجهرة
ولما تهاجيهم وللغير تنصر
ولكنها دعوة إذا ما سبرتها
كآل لصاد في المهامة يظهر
فما كل من قد قال ما قلت مسلم
ولكن بأشراط هنالك تذكر
فهذه الأبيات تمثل شعر ابن سمحان الذي يغلب عليه الجانب الفكري . 

4- خصائص شعر ابن عثيمين : 
( 1 ) قال الشعر في اكثر من غرض 
( 2 ) المدح هو أغلب شعره ومن ذلك قصيدته ( العز والمجد ) 

5- خصائص المديح في شعر الدعوة : 
( 1 ) لا يختلف عن مديح الشعراء السابقين . 
( 2 ) كان المدح بالشجاعة والكرم ونصرة الإسلام ووراثة المجد .
( 3 ) أضافوا لقب ( الإمام ) دون الألقاب الأخرى ، من ذلك قول ابن عثيمين في مدح الملك عبد العزيز :
إمام على نهج الشريعة سائر *** نبايعه نحن وأنتم ونصدق
 .


المرحلة الثانية - من تأسيس المملكة حتى اليوم
لقد نهض الأدب السعودي منذ بدء دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحتي اليوم نتيجة لعدة عوامل أسهمت في رفع مستواه الفكري والفني ، وتطور الشكل شكلاًً ومضموناً ومن أهم هذه العوامل : -
1- التعليم : التعليم فبل تأسيس المملكة ك يقوم على الكتاتيب ، وحلقات الدين في المساجد والمدارس الأهلية . 

التعليم منذ تأسيس المملكة : 
( 1 ) بدأ التعليم النظامي في عهد الملك عبد العزيز : 
( 2 ) انتشر في المدن والبوادي والهجر . 
( 3 ) أنشئت الجامعات وعمت المدارس . 

أثر التعليم في نهضة الأدب : 
( 1) إثراء الحركة الأدبية . 
( 2 ) الإبداع في فنون الشعر والنثر . 
( 3 ) إقبال المتعلمين على قراءة الأدب ونقده . 
( 4 ) الاتصال بأدب العصور العربية المزدهرة . 
( 5 ) تعدي ذلك الاتصال بما أنتجته قرائح الأدباء في العالم .

2- المطابع والمكتبات : 
( المطابع ) 
( 1 ) قامت كوسيلة - فعالة لمتابعة ونشر ما يحقق من التراث . 
( 2 ) طبع ما يؤلف من الكتب والمترجمات -
( 3 ) تشجيع الأدباء ونشر إنتاجهم . 
( المكتبات ) 
( 1 ) كان لا بد من ظهور المكتبات لتستوعب كل ما يؤلف أو يترجم أو يحقق من الكتب التي تطبع . 
( 2 ) من أهم المكتبات الحرم المكي ، ومكتبة ( عارف حكمت ) بالمدينة . 
( 3 ) إنشاء المكتبة العامة بالرياض ومن أهمها مكتبة الملك فهد الوطنية ، ومكتبات الجامعات والمدارس . 
( 4 ) وقد أنشئت مكتبة الملك عبد العزيز الوطنية ، ومكتبات سمعية وصوتية متعددة .
( 5 ) صارت للمكتبات إدارة كبري تتبع وزارة المعارف . 

أثر المكتبات في نهضة الأدب :
( 1 ) تمكين القراء من الاطلاع على كتب التراث . 
( 2 ) ارتادها كل أديب أو متطلع للأدب . 
( 3 ) أمدت الشعراء والأدباء بالكتب ودواوين الشعر . 

3- وسائل الأعلام : 
1- الصحافة : 
( 1 ) للصحافة دور باز في نهضة الشعر والنثر . 
( 2 ) بدأت بالتخلص من الأفكار التافهة والأساليب الركيكة على يد الشيخ فؤاد الخطيب في صحيفة ( لقبلة ) ثم في صحيفة ( أم القرى ) . 
( 3 ) كانت هاتان الصحيفتان مدرسة للأدب والكتابة والفكر . 
( 4 ) ظهرت صحف ومجلات كثيرة منها ( المنهل ) . 

2- الإذاعة : 
( 1 ) اهتمت بالأدب والأدباء ن وسجلت أمسيات وند وات أدبية متميزة . 
( 2 ) للتلفاز دور هام في نقل وقائع الملتقيات والمناسبات الأدبية إلي الناس . 

4- الاتصال بالأدباء السعوديين بغيرهم : - 
1- أفاد اتصال الشعراء والكتاب السعوديين بإخوانهم الأدباء في الوطن العربي كثيرا ً . 
2- بالاتصال المباشر عن طريق الصداقات واللقاء والزيارات بين الأدباء السعوديين وأدباء البلاد العربية الأخرى . 
3- عن طريق قراءة الإنتاج الأدبي ودراسته على مهل ... ونقده على معرفة ودراسة فظهرت مشاركات ومساجلات . 
4- شمل ذلك الأدب العربي و الآداب العالمية .

افضل مؤلفات الدكتور غازي القصيبي

افضل مؤلفات الدكتور غازي القصيبي :-

1. اقصوصة الزهايمر : من أشهر روايات الكاتب غازي القصيبي ، نشرت لول مرة في عام 2010 ، وهي آخر رواياته ، تدور أحداثها حول شخص يدعى يعقوب العريان مصاب بمرض الزهايمر ، ويقوم بكتابة رسائل إلى زوجته يلخص بها حياته ومعايشته مع مرض الزهايمر .

2. حياة في الإدارة : كتاب من تأليف غازي القصيبة يتناول فيه سيرته الذاتية من بداية حياته التعليمية إلى تنصيبه سفيرا في البحرين سنة 1984 ، ويركز في كتابه على حياته العملية ومناصبه التي تولاها والمواقف التي تعرض لها خلال مسيرته العملية ، ويعتبر الكتاب من أهم مؤلفات غازي القصيبي .

3. شقة الحرية : إحدى روايات غازي القصيبي الشهيرة ، نشرت لأول مرة في عام 1994، تدور أحداثها حول مجموعة من الشبان يدرسون بإحدى الجامعات في القاهرة بمصر ، وكل منهم لديه أفكار وتوجهات مختلفة عن الآخر ، حصلت الرواية على أكبر عدد من الإصدارات وحازت على إعجاب الكثير من النقاد .

4. الوزير المرافق : تم تأليفه في عام 2010 ، يتناول الكتاب عن حياة القصيبي أثناء عمله كوزير للصناعة والصحة في السعودية وكمرافق للملوك والرؤساء الذين زاروا السعودية في الفترة السبعينيات والثمانينيات ، ويدون المؤلف انطباعاته عن الرؤساء والوزراء الذين تعامل معهم والتقى بهم أثناء عمله كوزير .

5. الخليج يتحدث شعرا ونثرا : نشر لأول مرة في عام 2003 ، وهو من أضخم أعمال الدكتور غازي القصيبي ، حيث تناول في الكتاب مقالاته التي تحدث بها عن أهم الدواوين الشعرية والكتب التي صدرت في الخليج العربي لأهم الأدباء والشعراء أمثال خالد الفيصل وقاسم حداد ومحمد جابر الأنصاري ، ويذكر أنه أهدى كتابه إلى عبد الرحمن السدحان .

6. العصفورية : رواية من إبداعات الدكتور غازي القصيبي ، صنفت ضمن أفضل مائة رواية عربية ، تدور أحداثها في مستشفى الأمراض العقلية ، تناول الكاتب عدة قضايا مختلفة من خلال الرواية مثل البيروقراطية وعن علم النفس ، وتطرق إلى وضع الأمة العربية وعلاقتها باسرائيل .

7. أبو شلاخ البرمائي : رواية ساخرة صدرت لأول مرة في عام 2002 ، تدور أحداثها حول حوار يدور بين أشبو شلاخ وهو يتلو أحدايث كاذبة طوال الوقت ، وبين صحفي يدعى توفيق يسأله عن حياته ، تحولت الرواية إلى مسرحية ومسلسل تلفزيوني .

8. باي باي لندن : عبارة عن مقالات للكاتب غازي القصيبي ، من ضمنها مقالة بعنوان باي باي لندن الذي يكتب فيها عن حياته في لندن أثناء زياراته ودراسته وإقامته فيها من بداية حياته إلى زيارته لها أثناء تنصيبه كوزير .

9. دنسكو : رواية تدور أحداثها حول مرشحين يتنافسون على رئاسة منظمة دنسكو ، وقد نشرها بعد تجربته في الترشح لرئاسة منظمة اليونسكو العالمية .

10. رجل جاء وذهب : رواية ، تدور أحداثها حول امرأة نشأت من بيئة اجتماعية متواضعة وفقدت والدها وهي صغيرة ، فعاشت مع والدتها التي تلبي لها جميع احتياجاتها ولا يوجد عليها رقيب حيث لا أخ لها ولا أب يوجهها إلى الصواب ، فتزوجت من رجل كبير في السن . ويذكر أن الرواية امتداد لرواية حكاية حب .

تابع رومنسية القصيبي 2

       أما النوع الثاني من ألوان الحب الرومانسي ، فهو ذلك الحب المملوء بالرغبة الجامحة ، والطافح بالشهوة المائرة للحب الحسي الذي يصف مفاتن المرأة وقصصها الغرامية ، ويجسدها رغبة لاهثة وراء الغريزة ، وهذا النوع من الحب الحسي والنرجسي يمثل السمة الغالبة في شعر القصيبي ويظهر أواره في كل دواوينه ، حتى بعد أن عزته جحافل الكهولة .
      وسيطرة الحب الحسي على القصيبي أثر من آثار الحرمان الذي يعاني منه الشعراء في منطقة الخليج عامة بسبب الحواجز الاجتماعية والعادات المتوارثة والمفاهيم الأخلاقية التي ينبغي تجاوزها . وهو إلى جانب ذلك امتداد لتأثر هؤلاء الشعراء بالمدرسة النزارية التي جعلت العلاقة التي تحكم الرجل والمرأة علاقة قائمة على تحقيق الرغبات الجنسية والشهوات المليئة بالميل إلى التواصل واللقاء ، متخطية في ذلك كل المثل والأخلاق والنظرة الطيبة للمرأة باعتبارها مخلوقا إنسانيا لا بد أن يحظى بالرعاية الحب الصادق الدافئ ، والتقدير القائم على أسس من الخلق والعقيدة .
      من هنا كان جل شعره يدور حول جسد المرأة ، في تجارب لا يبرز من خلالها صدق العواطف ، ولا الحب الشريف ، بل يطل من سياقاتها فحيح الرغبة المحمومة في إشباع نهمة الجنسي الذي يصور له جسد المرأة وفتنتها ليس غير ، بعيدا عن كل عاطفة إنسانية . يقول من ( الخفيف ) :
لم يزل في الكئوس يا لعنة الليل  ـــ بقايا .. وفي الظلام سكارى (1)
فاخطري تصرخ الغرائز حمرا ــــ وارقصي تزفر الجوانح نارا
أي إثم على شفاهك قان  ـــــــــ يتصبى الظنون والأفكارا ؟
وعلى الوجنتين .. أي خيال   ــــ من جنون الصبا المعربد ثارا ؟
     ولم تقف حسية القصيبي وحبه المحموم للمرأة عند بعض الأوصاف الظاهرة لجسد المرأة ، بل تجاوزها إلى البوح عما يشتعل في داخله من شهوة تحترق فتصور له المرأة جسد رخيصا مبتذلا ، لا يرتبط بعواطف الشاعر ومشاعره النبيلة بقدر ما يرتبط بنزواته ورغباته الجنسية الكبوتة ، يقول ( من الرمل ) :
لا تقولي " أنا أهواك ! " ..
لما في الحب من زهر وخمر
لجنون القبلة الحمقاء
لليل الذي ـ يجمعنا صدرا بصدر (2)
     ولم يكن القصيبي في حبه صادقا بحال من الأحوال ، فالحب عنده نزوة شيطانية ، وما المرأة في تصوره سوى وعاء يفرغ في شحناته الجنسية ، يبحث عنها في كل مكان ، ويستبدلها بغيرها في أي وقت يشاء ، فهي لا تعدو في عرفه سوى للتسلية وإشباع للرغبة استمع إليه يقول من ( الوافر ) :
       أحبا؟! كيف يرضى الشعر سجنا ؟ ـ أحبك؟!كيف يغريني الإسار
         ولي شوق يجن إذا يثنى ــــــــ له قد .. وشجعه سوار
        ومازالت عيون الغيد تغوى  ـــــ وما زال الصبا كأسا تدار
        وفي الدنيا نهود من رخام  ــــــ يثور على تثاؤبها الإزار
        ولي في كل عاصمة غرام ــــــ ولي في كل أمسية ديار (3)
     ويقول في قصيدة أخرى مصرحا بحبه المتقلب ، وغرامه المتغير وهي من الوافر :
             نعم!أحببت قبلك ألف مرة ــــ وذقت الحب نشوته ومره     
                الحب دنيا من خيال  ــــــ ووهما كالجنون أهيم عبره
             ...    ....
            عرفت الغيد في غرب وشرق ـ بياضا صاخبا . ونقاء سمره
          وعشت براءة الأطفال حينا  ـ وعشت ضراوة الحيوان فتره (4)
     لقد اتخذ من التعددية في العشق والغرام مذهبا يتغنى به ، وأصبحت المرأة في قاموسه نوعا من الطعام أو الشراب يسد به نهمه ، ويورى به ظمأه ، فقد تجاوز عدد النساء المعشوقات في دنياه الحصر ، وغدون أصنافا وأنواعا مختلفة ، كل صنف يرضى لونا من غروره ، أو يشبع رغبة من رغباته استمع إليه يقول من المتقارب :
وأخرى .. وأخرى يطول الطريق  ــ ويعيا الفؤاد .. ويعيا العدد (5)
فمنهن من أشتهى للخيال  ــــــــ ومنهن من أشتهى للجسد
ومنهن من طيفها كالسراب  ــــــــ ومنهن من حبها كالأبد
   ومن خلال رؤيته المتقلبة للحب والحبيبات ، أو قل العاشقات نجده في بساطة مزرية يقدم عذره إلى المرأة التي خانها وغدر بحبها وانتقل إلى أخرى يبادلها غراما بغرام ، وكأن الأمر لا يتجاوز في مفهومه حد الاعتذار يقول  من الخفيف :
اعذريني فليس قلبي عندي  ـــــــ إنه عند غادة شقراء
لم أخن حبا .. ولكن قلبي  ـــ فر مني ... في لحظة هوجاء
اعذريني .. فالنار تشتاقها الأضلاع ـ إن كابدت صقيع الشتاء (6)
     وأخيرا يعترف الشاعر بأن الطريق الذي يسلكه لا يفضي إلى الحب ، وإنما هو نزوة وإشباع رغبة ، وشهوة ، وخطيئة ، أما الحب فلفظ أجوف وأغنيات زائفة ، ليس له وجود في هذا العالم العربيد . يقول من مجزوء الكلام :
الحب ؟ أين الحب ؟ لفظ  ـــــ أجوف فقد المعاني
لا تذكروه بربكم  ـــــــ أخشى عليه من الهوان
العالم العربيد أودى  ـــــــ بالعواطف والحنان
حتى أغاني الحب زائفة ــ الصدى ... حتى الأغاني (7)
     وخلاصة القول حول تجربة القصيبي مع المرأة كما أوضحنا من خلال خطابه الشعري وكما رصدها علوي الهاشمي : إنها تور مزدوج لحقيقة المرأة ينقسم إلى : عاطفة محمومة جامحة تشبع نفسها بالخيال الموهوم ، لأن محورها الحنين والحرمان ، وإلى شوق غريزي إلى جسد المرأة نما في ظل ذلك الحرمان ، وفي غياب العاطفة الإنسانية الصحيحة والمشبعة إزاء المرأة (8) . والذي يتصفح دواوين الشاعر لا يعزه البحث عن تلك الحقيقة التي أشار إليها الهاشمي . فإن كل قصيدة من قصائده أوجلها ، والتي تتحدث عن ظاهرة الحب / المرأة يلمس منها القارئ ازدواجية نظرة القصيبي للمرأة فهي الحبيبة الطاهرة حينا وهي المرأة المتنمرة التي يجب اصطيادها والعبث بها في أغلب الأحيان ، وهذا هو ديدن الشعراء الرومانسيين الذين تربوا عالة على المدرسة النزارية .
ـــــــــــــــ
1 ـ المجموعة الشعرية الكاملة ص70 .
2 ـ نفس المرجع 233 .
3 ـ نفس المرجع ص288 .
4 ـ نفس المرجع ص 375 .
5 ـ نفس المرجع ص 194 .
6 ـ نفس المرجع ص 425 .
7 ـ نفس المرجع ص436 .
8 ـ ما قالته النخلة للبحر لعلوي الهاشمي ص180 .

تابع رومنسية القصيبي

الهروب من الواقع المرير :
     لم تكن ظاهرة التشاؤم ، والهروب من الواقع المزري ، والفرار إلى العزلة والانطوائية ، والانطلاق إلى عالم الرؤى والخيال والأحلام من الظواهر التي يتفرد بها القصيبي ، وإنما هي سمة عامة وقاسم مشترك كغيرها من الظواهر الأخرى التي تحدثنا عنها أنفا ، والتي سنتحدث عنها لاحقا بإذن الله ـ عند كثير من شعراء التيار الرومانسي العربي ، وقد تنبه الباحثون إلى شيوع هذه الظاهرة عند الشعراء فقال أحدهم ، " ولا نغلو في القول بأن الرومانسية هي حركة تشاؤمية ، كانت تلحف بذكر مظاهر الشؤم والعقم في الوجود ، وتستطلع آيات النعي في كل مطلع ، ونكره الوعي والصيرورة ، وتهرب من مواجهة الواقع في عالم الحلم والذكريات " (1)
    ويمكننا أن نلمح ظاهرة الحروب والإحساس بالتشاؤم عند القصيبي في قوله من قصيدة بعنوان " أغنية في ليل استوائي " (2)
أتيتك صحبتي الأوهام والأسقامُ ..
والآلام .. والخورُ
ورائي من سنين العمر..
ما ناء به العمر
قرون .. كل ثانية
بها التاريخ يحتضر
وقدامى
صحارى الموت .. تنتظر .
         وحول هروب الشعراء الرومانسيين إلى الأحلام يحدثنا أحد الباحثين قائلا " والحقيقة أن اللجوء للأحلام عند الرومانسيين سببه الرئيسي يكمن في كونهم يحصرون أنفسهم في الداخل من البداية ، العالم الداخلي عندهم بداية ونهاية ، وسيلة وغاية ، وهذا يجعل الكاتب منهم يلجأ بالضرورة إلى قوقعته ينسج فيها الأحلام التي تحقق له البعد عن الخارج ، أي عالم الواقع . ويظل هكذا منطويا على نفسه مستغرقا في التفكير في ذاته ليس غير " (3) . وما قاله الباحث ينسحب على القصيبي ، إذ نلمح في الكثير من قصائده حب العزلة والانطوائية ، استمع إليه يقول :
سأكتم حبك بين الضلوع
وأحيا أناجيه في وحدتي
وإن سألوني :
" أما من حبيب لديك يبادلك ..."
سأصرخ :" إني وحيد .. وحيد
بلا ذكريات " (4) .
        والقصيبي تتنازعه الحيرة حينا ، والضياع النفسي والكتابة حينا آخر . فيحاول الهروب من واقعه المؤلم المليء بكل متناقصات الحياة ، من زيف ونفاق ، وخداع ، ولكن إلى أين فلا يدري ، وإن كان يراوده أمل بالرحيل نحو الأمل ، يقول :
أريد أن أمضي بعيدا بعيد
خلف الغيوم البيض ..خلف النجوم
أريد أن أجتاز هذي الحدود
أريد أن أنسى الدُنا .. أن أهيم
لأين ؟ لا أدري ولكني
أريد أن أمضي بعيدا بعيد
أريد أن أرحل نحو الأمل . ( 5)      
     وتشتد تلك الروح التشاؤمية عند الشاعر ، فتطبق عليه وتهاجمه جحافلها من كل جانب ، فقدره مسود كشعر حبيبته ، وروحه هائمة حائرة ، وجسده متعب عليل من عناء الرحلة في عالم مزيف ، بحثا عن الحقيقة ونشدانا للمثالية ، ولكن هيهات أن يلتقيا في عالم أثقلته الآثام وكبلته الشرور يقول : " من الكامل "
قدري كعينيك أو كشعرك أسود ـــ روح محلقة وجسم مجهد ( 6)
يومي بألوان المرارة مترع ـــــ ويكاد يغرق في مرارته الغد
يأوي العذاب إلى جفوني مثلما ــ يـأوي إلى الوطن الرؤوم مشرد
حيران بتهم في الضلوع وينجد ــ ويلوب في جنبي الضياع مسافرا
اما العالم المثالي الذي ينشده الشاعر ويهرب إليه يصوره في هذه الأبيات قائلا : من البسيط .
أريده عالما لا يستبيح دما ـــــــ ولا ينقل في أوزاره القدما
أريده بسمة . لا تعرف الألما ـــ أريده ضحكة .. لا تذكر السأما
أريده دون خوف.. دون عاصفة ــ سوداء تنشر ليل الرعب والعدما
أريده يعرف الإنسان يعشقه ـــــ أريده يمنح المحروم ما حرما
أريده يمنح الأعمى نواظره ـــــ ويمنح الطفلة المشلولة القمما(7)
     وقد تمكنت النزعة التشاؤمية من الشاعر حتى جعلته يفر أحيانا إلى الماضي حيث الفطرة التي لم تفسدها المدينة أو يطلب الموت " أحيانا أخرى " لأنه السبيل الوحيد إلى التحرر والخلاص من قيود الواقع المرفوض يقول في الحنين إلى الماضي : من البسيط .
سمراء ! عشرون من عمري تعاتبني ـــ فأينا أجدر الخلين بالعتب (8)
سمراء ! هل يرجع الماضي إذا رجعت ـ رؤاه تخطر بين القلب والهدب ؟
وهل يعود إذا عدنا له زمن ــــ من البراءة ... منقوش على الحقب ؟
وهل أعود صبيا كله خجل ؟ ـــــــ وهل تعودين بنتا حلوة الشغب
       ومن ظواهر الهروب من الواقع أيضا الحنين إلى أيام الصبا والشباب وهو شعورا يعاود الشاعر كلما أخذ يرى بياضه الشيب قد بدأ يغزو مفرقه وأصبح وقع الأربعين والخمسين من السنين ثقيل على النفس إذا يوحي بالصراع بين الأنا والهموم والحزن والكتابة ويشعر بأن العمر أوشك على النهاية ويعود الشاعر القهرية إلى أيام الصبا وفورت الشباب يقلب صفحات ذكرياته ليعزي بها النفس ويخفف من قلقها وآلامها يقول :
عدت كهلا تجره الأربعون ــــ فأجيبي : أين الصبا والفتون( 9)
ملء روحي الظما ... فأين عذارى ــ وبقلبي الهوى فأين الجفون
عدت بحرين .. لا الفؤاد فؤاد ـــ مثل أمسٍ .. ولا الحنين حنين
عدت والشيب بارق عبر فودي ــــــ وعلى مقلتي غيم هتون
      وفي حوار بين الشاعر وابنته يبوح فيه بتحسره على الماضي وخوفه من الحاضر المؤلم والمستقبل الخؤون وقد حاصرته السنون وأوسعته الأيام حربا تستنزف ما تبقى لديه من عزيمة يقول :
يا دميتي ! حاصرتني الأربعون مدى ــ مجنونة...وجراحا أدمت العمرا(10)
فمن يرد لي الدنيا التي انقشعت ـــــ ومن يعيد لي الحلم الذي عبرا؟
ما الشيب أن تفقد الألوان نضرتها ـــ الشيب أن يسقط الإنسان منحدرا
وما بكيت على لهوي ولا عمري ـــــ لكن بكيت طهري الذي انتحرا
وفي طلب الموت يقول : من البسيط
مات الصبي الذي قد كان يسكنني ـــ وكنت أسكنه ..والكائنات لنا (11)
مات الصبي فلا شعر ولا فرح ـــــ ليولد الكهل دنياه أسى ووني
أقول والألم المعطاء يشنقني ـــــ أقول لو تسمعين الشجو والشجنا
أريد أن تمنحيني الموت والكفنا ــــ فقد منحتك عمري والشباب أنا
      على أن الرومانسية ليست هروبا من الواقع ,بقدر ما هي طموح ورسم لعالم جديد , يشعر فيه الفرد بالرغبة في التحرر والانعتاق من بعض القيود الاجتماعية والضغوط النفسية والانطلاق إلى عالم رحب فسيح ينشد فيه الدعة والراحة والطمأنينة عالم يخلو من الزيف والنفاق والخداع وهي الاختصار" أشبه ما تكون بمرحلة المراهقة في حياة الأمة ، حيث أحلام اليقظة ، واضحة الخيال ، وتقديس العواطف , وشرنقة الذات تلتف حول نفسه " (12) .

رابعا ـ الهروب إلى الطبيعة :
أحس الشاعر الرومانسي بالقلق وشعر بالحزن ، فهرب من محاصرة الكتابة إلى الطبيعة ، يتغنى بها ، وبجمالها ، وافتنانها ، وسحرها ، هجر المدينة بتصنعها ، وتكلفها وضوضائها ، وأسوارها وأنطلق إلى عالم فسيح رحب يبثه همومه وشكواه ويبني فيه أكواخ حبي وعشقه ، ويتعلم فيها حكمة القدر ، ويقرأ على صفحات أوراقها ما لم يقرأه في جدر المدينة وأسوارها . وآلاتها الصماء وينعم فيها بحفيف أشجارها . ورقصات أغصانها ، وتناغم طيورها ، وصخب أمواجها ، وخرير جداولها التي أثارت في نفسه أشجانا وذكريات ، وحركت في أعماقه لواعج الشوق فهو في حنين دائم إليها . يقول : من الخفيف
يا سرابي الوحيد طال بي السير ــــ وحيدا... وضقت بالصحراء (13)
حن عمري الشقي للواحة الخضراء ــــــ للأغنيات .. للأنداء
      ولا يكتفي الشاعر بالحنين إلى الواحة وما يظللها من خضرة وارفة . ومياه ساحرة . بل يعاوده الحنين أحيانا إلى حياة الصحراء . حياة الفطرة  والحب .والوداعة , فهو يحن إلى ليلها , وقمرها , وطيب شذاها المنبعث من نوار العرار والخزامى فيقول : من الوافر
ودعت إليك يا صحراء
ألقى جعبة التيار
أغازل ليلك المنسوج
من أسرار
وأنشق في صبا نجد
طيوب عرار
وأحيا فيك للأشعار والأقمار (14) .
      وتعتبر الطبيعة , وذكريات الماضي , من الظواهر الماضية الأساسية في الشعر الرومانسي عامة , لذلك يقول عنها " دايتش daiches " " لقد تجلى المذهب الإبداعي في مظهرين بارزين الرجوع إلى الماضي وذكرياته واتخاذه مثلا أعلى , واللواذ إلى الطبيعة , والاتصال, بها , بل الاندماج فيها " (15). وعندما لا يجد القصيبي واحته الحقيقية ، واحة الطبيعة الخلابة ، ليلوذ بها من واقع مؤلم قاس ، وحياة ملؤها الشقاء والهموم والأسى ، يهرب إلى واحة الحبيبة ، ينشد فيها الحب والأمان والراحة من هم ثقيل ، يقول من ( الخفيف) :
يا أعز النساء! همي ثقيـل ـــــ هل بعينيك مرتع ومقيل ؟
هل بعينك حين آوى لعينيك ــــ مروج خضر وظل ظليل ؟
هل بعينيك بعد زمجرة القفر ــــ غدير .. وخيمة .. ونخيل؟ (16)
      والطبيعة عند الرومانسيين بمثابة الأم الرءوم تحنو عليهم ، وتغمرهم بظلها وظليلها ، ودفئها وحنانها ، فينداحون في أغصانها ، ويتلاشون في عناقها وحبها ، ولا يفرق بينهما إلا صوت العقل ، وقلما يوقظهم هذا الصوت يقول في قصيدة "غريب! غريب! غريب " (17) من (المتقارب) جمع بين عشيقتين الطبيعة والحبيبة في عقد من الدرر:
ذكرتك عند البحيرة ..
حيث تسير القوارب..يسبح سرب
من البط والبجع المتبختر..حيث
تنام السماء على خضرة الأرض..
تستغرب الأرض من زرقة السماء ـ
هل تذكرين البحيرة حين يطل عليها
الرفيق الأنيق الرقيق الوسيم
البعيد القريب ، القمر ؟
وهل تذكرين البحيرة والصبح يمشي
وئيدا وئيدا .. لكيلا يروح آخر حلم
غفا فوق مقلة آخر حسناء من
عاشقات البحيرة ؟
      وفي أحيان كثيرة لا يكتفي الشاعر بالجمع بين الطبيعة والحبيبة ، بل يصل به الأمر إلى حد المزج بينهما ، متخذا من المرأة / الحبيبة باعثا على التغني بالطبيعة " إذ غدت المرأة بعد أن استقلت الفنية والاجتماعية المنظار الذي يرى الشاعر من خلاله بقية الأشياء خاصة الطبيعة / الأم . ولولا المرأة ما كان يمكن أن يرى الشاعر أو يحس بجمال الكون والحياة من حوله " (18) .
استمع إليه يقول مازجا بين الحبيبة والطبيعة ، (من السريع):
لا تغضبي! ما الكون أن تهجـري ــ وما رفيق الأمل المسكر ؟ (19)
وما المنى . وخما نشيد الهـوى ؟ ــــ وما رحيق الكوثر الخير
وفيم يسرى في الرياض الشـذى ؟ ـــ وفيم يحلو البوح للأنهر ؟
وفيم يشدو بلبل في الربــــا ؟ ــــ وفيم تعلو ضجة السمر؟
ويتنامى هذا المزج لتصبح عيون الحبيبة هي الطبيعة ذاتها ، فيهرب لائذا بها . يقول (من السريع أيضا) (20) :
أمرح في عينيك .. أمشي على ـــ الرمال كالطفل ..ألم المحــار
أقطع المرجان ..آوى إلـــى ـــ كهفي الذي يحوي كنوز البحار
أشارك النــورس آفاقـــه ـــ حينا .. وأغف في ظلال القفار
واتبع الدلفين فــــي رحلة ـــ حدودها شواطئ لا تــــزار
       ومن ظواهر الهروب من الواقع أيضا الحنين إلى الطفولة ، وهي ظاهرة بارزة في شعر القصيبي . فقد أثقلت الحياة وهمومها كاهله ففر إلى عالم الطفولة ، وتقمص تلك المرحلة البريئة من مراحل نمو الإنسان لعله يجد فيها ما يخفف عن نفسه آلام الواقع القاسي وينسيه أحزانه وكآبته التي ما فتئت تطارده في كل مكان .           
     يقول مخاطبا الصحراء ، ملقيا بنفسه على صدرها ، وكأنها الأم الحنون التي تحتضن طفلها بعد هجر وطول غياب ، هذا الطفل الذي أعوزه دفء الأم وعطفها ، وحب الناس وحبها ، وقد رجع يجر أذيال الهزيمة من معركة الحياة التي خاضها بسيف المشاعر والأحاسيس يقول : من الوافر :
وعدت إليك يا صحراء (21)
على وجهي ، رذاذ البحر
وفي روحي سراب بكاء
...
رجعت إليك مهموما
لأني لم أجد في الناس
من يؤمن بالناس
رجعت إليك محروما
لأن الكون أضلاع
بلا قلب
" رجعت إلى يا طفلي ؟ "
أجل .. أماه .. عدت إليك
طفلا دائم الحزن
تغرب في بلاد الله ..
          وتمثل الطفولة عند الشاعر مرحلة من مراحل العمر البريئة النقية من كل الشوائب ، فلا مكر ، ولا خبث ، ولا دهاء ولا تدنسها الغرائز التي تفرزها سنون الشباب وأيام الكهولة ، ولا تصبغها هموم الحياة وآلامها بأصباغها السوداوية لذلك يجد الشاعر فيها رمز الوداعة والأمان ، فيتمنى لو عاد طفلا لا يشغله ما يشغل الكبار من هموم الدنيا ، ولا يدنسه ما يدنس وجداناتهم من آثام ، ومن هنا لا نجده يحن إلى الطفولة فحسب ، بل ويتمنى لو عاد طفلا ويموت طفلا يقول: من الرجز (22)
لو مرة نقول : ( لا )
نطهر من نفاقنا
نموت كالأطفال أبرياء
      وفي قصيدة أخرى نجده يعتب على الزمان الذي سلب منه طفولته ، وأخذ معها كل ما هو جميل عزيز على نفسه ، وترك له وحشة الكهل ، وشراسة الإنسان يقول : من الخفيف
ثم جاء الزمان يسرق مني ــــ الأعز .. الأعز .. من أصفيائي
نهب الطيش .. والتشرد في ــ الأحداق والغوص في جفون الظباء
قتل الشعر والقوافي .. فما أنطق ــــ إلا بغصـــة خرساء...
أخذ الطفل من ضلوعي .. وأبقى ـــ وحشة الكهل في ليالي الشتاء ( 23)
      والقصيبي من الشعراء الرومانسيين الذين حاولوا الفرار من الواقع المؤلم الحزين ، إلى عالم المثل والخيال ، فلم يجد إلا عالم الطفولة الواسع الرحب البريء (24) يلوذ به وينفث فيه آهاته الحرّى ، فيطلب من حبيبة العمر ورفيقة الدرب أن يفرا إلى روضة الطفولة يمرحان ويلهوان ولو ساعتين وكفى يقول من المتقارب :
نفر فديتك ! نحو الطفولة (25)
لو ساعتين
فنأكل في الشمس تفاحتين
وألقى عليك  بفزورتين
ونغرق .. نغرق في ضحكتين
نفر فديتك ! نحو الطفولة
لو ساعتين
وإن ضاع منا طريق الرجوع
نهيم على وجهنا ليلتين
ونغرق .. نغرق في ضحكتين

خامسا : الهروب إلى ساحة الحب :
      تعتبر ظاهرة الهروب إلى أحضان الحب الدافئ وإفراغ الشعراء عواطفهم الملتهبة فيها من الظواهر الرئيسية إلى جانب الطبيعة في الشعر الرومانسي بوجه عام . إن الطبيعة والحب ليسا بجديدين على الشعر العربي ، " لكن الجديد فيهما ، أنهما يمتزجان بوجدان الشاعر امتزاجا يكاد يتحد فيه الوجود الخارجي بالوجود الداخلي ، فتحتمل التجربة دلالات أرحب من الدلالات المألوفة في التجربة العاطفية التقليدية ، ويصبح للشعر مستويان : أحدهما مرتبط بحدود التجربة في الواقع الخارجي ، والآخر ناطق بأشواق الإنسان العامة ، وإحساسه بالكون والحياة والمجتمع " (26) .
      والحب عند الرومانسيين يتجاذبه نوعان من العواطف ، نوع يشكل فيه الحرمان والهموم والأشواق أساس التجربة الشعورية حزينة باكية ، يائسة تظللها أشواقه وتهويماته في سماء الحب : يقول القصيبي ( من الخفيف ) :
روعة الحب في العذاب وفي الحرمان ـــ ما شئت عذبيني واحرميني (27)
      وهذا اللون من الحب يعد في نظره ضربا من الوهم يصعب تحقيقه ، كما هو انعكاس لحالة نفسية قاهرة ، وعاطفة ملتهبة جامحة يقول من الخفيف : (28)
يا ابنة الوهم ! إنما أنت في ــــ دنياي حلم على جفوني محرم
كل حظي من الهوى نظرات  ــــــ دامعات .. وخافق يتألم
وشفاه تململ الشوق فيها  ـــــــــ فأبت إن تبوح أو تتكلم
وفراغ يعربد اليأس فيه  ـــــــــــ وليال رهيبة كجهنم
ويقول من قصيدة أخرى من الخفيف أيضا : (29)
فوق أفق الخيال .. فوق حدود ـــــ الشعر ما تبعتينه في دمائي .
لهب عاصف يؤرق روحي  ــــــــ وغيوم تثور في أجوائي
      ونتيجة لتك لعواطف المكبوتة التي تحركها عواطف الحرمان ، تلونها حالته النفسية لخطوطها السوداء ، ويلفها اليأس بضبابيته القاتمة يتساءل الشاعر عما إذا كانت الحبيبة ستشاركه هذا الشعور وتحس بما في داخله من وجد وأرق وشوق وصبابة يقول من نفس القصيدة :
أتحسين يا فتاتي بما في ــــــ  نغمي من صبابة وشقاء ؟
من بعيد يأتيك في هدأة الليل ــــ حنينا مروع الأصداء (30)
     وحنين لا يجد الشاعر استجابة حقيقته من المرأة / الحبيبة لتشاركه همومه . ، وعواطفه ، ونشوته وصبابته يستسلم لليأس ، والانطواء ، ويكتم به في داخله ، يقول من المقارب :
سأكتم حبك بين الضلوع (31)
وأحيا أناجيه في وحدتي
وإن سألوني : أذقت الهوى ؟
سأصمت في حيرة الجاهلين
وإن سألوني " أما من حبيب "
لديك يبادلك " القبلات ؟ "
سأصرخ : " إني وحيد .. وحيد
 بلا ذكريات " .
     ورغم يأسه واستسلامه للوحدة والعزلة ، ورغم كتمان حبه بين ضلوعه ، فإن بارقة من أمل تلوح في سماء أشواقه فتنير قلبه ، وتفتح أمامه دروبا جديدة لحياة مليئة بالأماني . يقول من المتقارب :
أراك وراء ليالي الجفاف  ـــــ خيالا يموج بشتى الصور(32)
ففي ناظريك أماني الحياة  ــــــ وفي شفتيك ابتسام القدر
وألمح وجهك عبر الفضاء  ــــــ يضيء بها لآته كالقمر
    غير أنا الحبيبة تبقى عنده حلما مستترا يبحث عنه على أمل اللقاء به . يقول :
أحن لطيفك عند الشروق  ـــــ وأشتاق خطوك عند السحر (33)
فأينك ؟! أين ترى توجدين ؟  ــــ وفي أي أفق بعيد السفر ؟
ومن أنت ؟ يا من وهبت الشباب  ـ لها .. وهي حلم نأي واستتر
فتاة الخيال ! لنا موعد   ـــــــ أعيش على يومه المنتظر
     ولكن أي يوم هذا الذي ينتظره الشاعر ليلتقي فيه الحبيبة ، وقد نأت عنه ووقفت دونها حواجز الواقع الاجتماعي ، لتحول دون تحقيق اللقاء ، وتعود إليه أصداء أغانيه خيبة أمل مرة ، وإحساسا قاتلا بالحرمان واليأس والفشل . فالحب في نظره وهم كبير ، وضرب من الخيال ، بل عاد كذبا وخداعا ونفاقا ، لذلك يطبب من الحبيبة أن تقطع ما بينها وبينه من أواصر المحبة والوجد والهوى . يقول من الرجز :
صديقي ! انفضي يديك من هواي ( 34)
من عمري الشريد .. من أيامي العجاف
من دمعة فاض بها صباي
من لوعة تحضنها دماي
لا تسألي " ألم تزل تحبني ؟!"
فالحب يا صديقتي وهم كبير
ويقول في قصيدة أخرى من الرمل :
أيها الحب لقد آن الفراق  ــــ لم يعد في قلبي الدامي اشتياق
عبث اليأس بأشواق الصبا   ــــ مثلما يعبث بالبدر المحاق
كل ما نزعمه عن حبنا ــــــــ كذب .. كل أغانينا نفاق
     وقد تجلى في هذا النوع من الحب عنده مظاهر الطهر والعفة ، وتلون بألوان المشاعر النبيلة والأحاسيس المرهفة ، التي ينظر الشاعر من خلالها إلى الحبيبة بأنها فتاة أحلامه التي ينبغي أن يحفها بسياج من المحبة والسعادة التي يحقق من تواجدها حلمه ولو في كوخ على هام السحب . يقول من المتقارب :
تعالي دقائق نحلم فيها  ــــــ بنافورة من رذاذ القمر
بأرجوحة علقت في النجوم ــ بأسطورة من حديث المطر
بكوخ على الغيم .. جدرانه  ــ ظلال . وأبوابه من زهر
بخيمة عطر .. يعب الغروب ــ شذاها ويسكر فيها السحر
ــــــــــــــ
1 ـ إيليا الحاوي : الرومانسية في الأدب الغربي والعربي ص 46
2 ـ المجموعة الشعرية الكاملة ص 768
3 ـ د/ سيد حامد النساج : الرومانسية والواقعية ص 19
4 ـ المجموعة الشعرية الكاملة ص 55
5 ـ نفس المرجع ص 68
6 ـ نفس المرجع ص 779
7 ـ نفس المرجع 531
8 ـ نفس المرجع ص 810
9 ـ نفس المرجع ص 681
10 ـ نفس المرجع ص 696
11 ـ نفس المرجع ص 802
12 ـ د. ماهر حسني فهمي :تطور الشعر العربي للحديث في منطقة الخليج ص70
13 ـ المجموعة الشعرية الكاملة ص 16
14 ـ نفس المرجع ص 264
15 ـ litt and society daiches p 170 -by -  نقلا عن الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث مصطفى السحرتي ص 214
16 ـ المجموعة الشعرية الكاملة ص 663
17 ـ المرجع السابق ص 742
18 ـ علوي الهاشمي ما قالته النخلة للبحر ص 171
19 ـ المجموعة الشعرية الكاملة ص22
20 ـ المرجع السابق ص 471
21 ـ المرجع السابق ص 262
22 ـ المرجع السابق ص 335
23 ـ عقد من الحجارة ص45
24 ـ انظر القصائد التي يلمح منها الحنين إلى الطفولة : المجموعة الشعرية الكاملة 56 ، 84 ، 128 ، 135 ، 154 وغيرها .
25 ـ المجموعة الشعرية الكاملة 705
26 ـ د . عبد القادر القط الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر ص14
27 ـ المجموعة الشعرية الكاملة 32
28 ـ المرجع السابق ص 56
29 ـ نفس المرجع ص 16
30 ـ نفس المرجع ص 19
31 ـ نفس المرجع ص 55
32 ـ نفس المرجع ص 39
33 ـ نفس المرجع ص 40
34 ـ نفس المرجع ص 87